وظائف خالية

قراءة.. بدون أدب

لا تتحمس كثيراً لتطوير التليفزيون
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
مهرجان علي الحجار

قراءة.. بدون أدب

 
  نعم؟!
  بلى، صارت لدينا ظاهرة قراءة متنامية؛ لكن لم يعد عندنا أدب.
  هذا -بتصرف- كان رأي أستاذنا.. الكاتب الموسوعي، أو بالأحرى مصنف الموسوعات، كاتب الأطفال، مؤلف الروايات، المترجم والناقد.. محمود قاسم.
  قال الأستاذ محمود قاسم رأيه هذا تحليلاً للمشهد الثقافي، خاصة ونحن نستعد بعد أيام لافتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب*.. رأي صريح لكنه ليس صادماً على الإطلاق.. توقعنا مثل هذا الرأي وانتظرناه منه ومن كل قارئ متابع لما صرنا إليه، وما كنا نأمل أن نكون عليه.
  قبل عقود، كان النشر معضلة.. كان المؤلف الشاب الذي لا تسند ظهره مؤسسة -كأن يكون صحفياً مثلاً- يقف إزاء دور النشر -القليلة جداً وقتها- بالسنوات قابضاً على روايته أو مجموعته القصصية، أو مؤلفه أياً كان، بعد أن يكون أمضى سنوات أخرى في كتابتها، وتنقيحها، وعرضها على الأصدقاء، والإلحاح عليهم ليقرأوها ويخبروه عن رأيهم فيها، وهل ما يكتبه يستحق النشر، ثم بعد ذلك يحفى حتى يُنشر كتابه الأول، ويقبض المكافأة التي في الغالب لن تتعدى الثلاثمائة جنيه، ونسخٌ مجانية لن تتعدى العشر، يحتار في توزيعها على الأصدقاء، أو يهديها لكاتب أو صحفي ربما كتب عنه "كلمتين حلوين"، أم يضعها في مكتبة مدرسة أو مسجد، أو ربما اختلس غفلة أمين مكتبة في قصر ثقافة؛ فيدسها بين كتب كبار الكتاب لعل يداً يوماً تصل إليها.
  كان النشر معضلة، وكذلك القراءة نادرة. أما الآن فقد بدأ القراء يزيدون، ودور النشر تكثر.. لكن هل صار الوضع أفضل.
  الأستاذ محمود قاسم أرجع جزءاً من الفضل في انتشار ظاهرة القراءة بين جمهور لم يكن مهتماً بها من قبل إلى روايات التيك أواي، الروايات التي في معظمها هي قصص رعب وغموض، تحمل أسماء عجيبة غريبة ملفتة لجمهور من القراء المراهقين، صغيري السن ومحدودي التجربة، لكنهم سيدفعون مبلغاً جيداً ثمنا لرواية بغلاف أنيق، ومشروع لفيلم سينمائي في الصيف القادم، حتى لو كانت بنصها منقوشة من رواية أو فيلم أجنبي معروف..
  لا بأس إن كانت تلك بوابة ستفتح عالم القراءة أمام جمهور عريض، إذا كان شاب سيدفع مائة جنيهاً اليوم ليقرأ أدباً ممسوخاً (منحوتاً) من مصادر أجنبية؛ سيدفع غداً عشرين جنيهاً لشراء كتاب للعقاد أو رواية لنجيب محفوظ!!
  المؤسف في هذا الموضوع أن التطور لم يكن، ولن يكون كذلك، الفوضى رويداً تتمدد في سوق النشر، والثقافة أصبحت مثلها مثل كل الخدمات العامة في حياتنا: الصحة، والتعليم، والإعلام، وحتى نظافة الطرق.. سبوبة.. هم الناشر مثله مثل الطبيب والمدرس الخصوص، والصحفي، والإعلامي، وقاطع الطريق.. كيف تقلب الزبون دون أن تعطيه أي خدمة.. ربما كان ذلك مفهوماً بالنسبة لقاطع الطريق، لكن ماذا عن الآخرين!!
  يؤسفني أنني صدمت كثيراً في الفترة الماضية كلما اشتريت كتاباً منشوراً حديثاً في مصر أفاجأ بمصائب لا تليق، رغم أن النشر يتزايد، لكن حدثنا عن الأخطاء اللغوية المزعجة في متون الكتب رغم وجود سبوبة المصححين اللغويين.. حدثنا عن الأخطاء المطبعية رغم سهولة وبساطة عمليات التصميم والطباعة حالياً، لم يعد المطبعجية مثلما كانوا في الماضي يرصون حروف الكلمات يدوياً، حرفاً حرفاً، ومع ذلك كانت الأخطاء في الماضي بسيطة ومحدودة -بالنسبة لما يصدمك حالياً- وكنت تجد في آخر الكتب المطبوعة قديماً ملحقاً لما حدث سهواً من أخطاء وتصحيحها، أما الآن، فلا تبحث عن تصحيح الأخطا، أراهنك أنهم لم يلحظوا ذلك.. بالصدفة بين يدي كتاب مهم ترجم في الستينيات، ولأنه يدخل في تخصصي فقد قرأته قبل ذلك، في المكتبات، وعندي نسخة رقمية منه لأنه نفد من الأسواق منذ أمد بعيد، وأخيراً وجدت نسخة مطبوعة حديثاً في أحد معارض الكتب، فلم أتوان لحظة في شرائها، وضعتها قريباً مني حتى حانت لحظة القراءة، وهي لحظة لا تحين سريعاً في ظل مشاغل العمل وغيره، لأصدم أن صفحات كاملة بيضاء، تصل بالقراءة إلىنقطة معينة وتقلب الصفحة فتفاجأ أن النص مبتور، في البداية تصورت أنها صفحات زائدة، لكن بعد الصفحات البيضاء تجد النص مختلفاً، مسترسلاً في حديث فقد لأسباب لا يمكن إدراكها، فأعود إلى أرقام الصفحات، لأجدها فعلا مفقودة.. صفحات كاملة سقطت سهواً أو غفلة أو إهمالاً، وربماً تغفيلاً للقارئ، وأحياناً للكاتب.. نعم للكاتب، ففي منظومة النشر الحديثة لم يعد الكاتب مصنفاً ضمن طاقم إنتاج الكتاب، إنه واحد من الزبائن، أو بالأحرى هو الزبون الأول، والأكبر، والذي تعتمد عليه دور النشر في تحقيق أرباحها، ودعونا هنا نصنف دور النشر إلى عريقة، وحديثة، أما الحديثة فمعظمها يعتمد نظام السبوبة، يأتيهم الكاتب، أو من يعتقد نفسه كاتباً، بنسخة من مؤلفه الذي يتوقع أن تحوله من نكرة إلى (حد مهم في المجتمع) فيبدأون إقناعه أنه سيصبح أسطورة ونجماً بعد نشر كتابه عندهم، وأنهم ليسوا نصابين مثل الآخرين، بل هم يضمنون له كل شيء حتى الشهرة، ثم يُدخِلونه المفرمة.. ستدفع كذا وكذا، مقابل كيت وكيت.. تماماً مثل (خروف نجيب الريحاني) حبل ومخلاة وجردل لزوم أكل الخروف كذا،و مزين لحلاقة شعر الخروف كذا، وهكذا.. مصحح لغوي كذا، ومدقق لغوي كذا، وكذا لتصميم الغلاف، وكذا لتوضيب الصفحات، وفي النهاية يتصل صاحب دار النشر بابن اخته ليقوم بتلك الخدمات، و"آهو زيتنا في دقيقنا".. يدفع الكاتب ما عليه، ويعطونه بضعة نُسخ مطبوعة ومُكيسة بالبلاستيك يهديها لأصحابه وأقاربه (ببلاستيكتها)، وهم بدورهم لن يفتحوا (البلاستيكة)، ولو فتحوها، وقرأوا بعض ما كتب صاحبهم، لن يخبروه بما يرونه من مصائب تجنباً لكسر نفسه، خليه يفرح، وطبعاً دار النشر ستقنعه أنها طبعت كماً لا بأس به من كتابه (كما كان الاتفاق)، وكتبه تملأ المكتبات الآن، ويصورون له كتابه مرصوصاً في معارض الكتب الدولية والمحلية، وغالباً تلك لا تزيد عن عشرة نسخ يدورون بها على المعارض ويضعونها في الأرفف يصورونها، وهكذ، ثم يأتي قارئ ما في غفلة من المنظومة يشتري واحداً من تلك النسخ المغلفة، فيكتشف عندما يبدأ القراءة ما بها من مصائب، ويعرف لماذا صارت لدينا ظاهرة قراءة، لكن لم يعد عندنا أدب.
أحمد صلاح الدين طه
21 يناير 2020
dedalum.info@gmail.com
____________
*جاء تعبير الأستاذ محمود قاسم، ضمن إجابة سؤال في برنامج لمسة وفاء للتليفزيون المصري، والذي شرفت بتصويره. من إعداد: داليا غرس الدين، وإخراج: أحمد أبو اليزيد
لا تنس الاشتراك على قناتنا على يوتيوب وصفحتنا على فيس بوك لمتابعة الأحداث المستقبلية. من هناااااا

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم