وظائف خالية

لا أراكم الله مكروهاً في تليفزيون لديكم دائرة الضوء و الخروج من البلاتوة
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
دسباسيتو و أدب ديسباسيتو Despacito

 






 
  نعم نعلنها رغماً عنا.. التليفزيون تخطى مرحلة (طلوع الروح)، و على بابه يقف من قتلوا القتيل استعداداً للسير في جنازته.

  قبل سنوات قلائل كنا إذا تحدث أحد عن إمكان استبدال التليفزيون المصري بإحدى محطات رجال الأعمال.. نضحك؛ فمن يقول إن تلك الكيانات الهزيلة التي لا ترقى لمستوى هيكلي يجعلنا نعتبرها مؤسسات إعلامية يمكن أن تجابه مؤسسة عريقة كماسبيرو يصفها أعداؤها قبل أبنائها بمصطلح "المبنى". لقد وصفها أحد الوزراء يوما بأنها "جمهورية ماسبيرو". و خشي الكثير من المسؤلين أن يتولوا زمامها، رغم أنهم (في عرض منصب)، ليس لشيء إلا لأنها أكبر كثيراً عددا و عدة من أن تكون مجرد شبكة تليفزيونية.

  حينها كانت ثقتنا لا حدود لها في أن التليفزيون يملك بنية تحتية، لا يمكن مضاهاتها، فلا يجب أن ينسى أحد أن البنية التحتية للإعلام الخاص و العام، المصري و العربي، أسسها ماسبيرو، ومازالت تعتمد إلى حد بعيد عليه، بل مازال يدفع فاتورة الفضائيات الأخرى التي تهاجمه و توسعه ضرباً -تحت الحزام- و لولاه، و لولا ديونه ما كانت ولا استقام لها ظهور.

  اليوم، اختلف الوضع كلياً؛ فالمبنى تمت، و تتم تصفيته من الداخل.

  بعد سنوات كان التليفزيون يستهلك خلالها ما لديه، دون إنفاق تماماً على تطوير و دعم أو صيانة ذخيرته؛ انتهى وضعه الآن أن هذا التليفزيون الذي استطاع حتى وقت قصير مضى تغطية ربوع الجمهورية من أقصاها إلى أقصى أسقاعها. اليوم لا نجد سيارات للتصوير في أطراف القاهرة، و كم من أوردرات تصوير يتم إلغاؤها لعدم وجود سيارة، أو لأن السيارات المحدودة الموجودة لا يمكن إرسالها إلا إلى الأماكن القريبة حتى يتمكن السائق من توصيل عدة فرق، و ليت ذلك يتم على خير؛ فأعطال السيارات وصلت أنها تتعطل على الكورنيش أمام المبنى، أي أنها بالكاد تخطت ال (يو تيرن)، وكفى.

  حتى عندما قيل إن سيارات جديدة ستدخل الخدمة؛ فوجئنا بالسيارات (الجديدة) موديل ألفين وعشرة، و(مركونة) في أحد الجراجات الحكومية لأكثر من ثلاث أو أربع سنوات، ولنتخيل: كيف سيكون أداؤها بعد هذه (الركنة)؟

  أما الكاميرات، و معدات التصوير و البث الأخرى؛ فماذا نقول عنها؟
  التليفزيون يملك أغلى وأفضل كاميرات التصوير، ومعدات المونتاج، والبث وأعلاها في فئتها.

  صحيح، كان ذلك عندما اشتراها قطاع الهندسة قبل أكثر من خمس سنوات، لكن إذا أخذنا في الاعتبار أن تكنولوجيا التصوير خلال العقدين الماضيين أصبحت تتطور بسرعة الصواريخ؛ وسرعة الصواريخ نفسها أصبح لها معنى مختلف تماماً منذ اكتشاف الفمتوثانية.. معنى ذلك أن معدات التليفزيون، الرائعة، يفصلها عن العصر التكنولوجي الذي نعيشه سنوات ضوئية عديدة.. مع ذلك ليست تلك هي المعضلة؛ فمازال ماسبيرو يستطيع المنافسة بالتكنولوجيا العتيقة التي يملكها، لأنه ينافس في السوق المحلي، وسوق الإنتاج التليفزيوني في مصر سوق فقير، لا يغرنا الملايين التي يتقاضاها النجوم فيه، المنتجون الذين يدفعون هذه الأموال الضخمة للنجوم، ليسوا مستعدين لصرف ملاليم على المعدات. و هذه تفصيلة تضعفهم كمنافسين. لكن مشكلة التليفزيون الرسمي الضخمة تكمن في أن معداته بدأت تتآكل. طوال سنوات من الاستخدام الكثيف الذي قدم التليفزيون خلاله خدمات تليفزيونية وإذاعية مجانية استفادت منها الجهات الحكومية، والفضائيات الخاصة، والأجنبية، وحتى وكالات الإعلان. كل هذا جعل معظم المعدات في حالة يرثى لها باستثناء بعض الوحدات التي تستخدم في نقل الفعاليات المهمة الخاصة برئاسة الجمهورية، أو المباريات الرياضية المهمة التي ينتجها التليفزيون، وتذاع على فضائيات عديدة دون -حتى- إشارة للمصدر.

  عندما تصور بكاميرا تتحرك عدستها(الزووم)من نفسها، وذراع تحريك الكاميرا مكسور، وملصق بسوليتيب، والعدسة مبقعة لطول الأمد الذي استخدمت خلاله، وحامل الكاميرا مصاب بهشاشة أطرافه وخشونة مفاصله، وتحاول، وبعد أن تبذل جهدا وتسجل لقاءاً مهماً تكتشف أن الصورة بها عيوب تسجيل وغير صالحة للإذاعة، وكأنك تحرث البحر.

  لماذا لو -كانت هناك نية لبقاء التليفزيون- ترك كل هذه السنوات دون خطة واضحة تحافظ على مستوى بنيته التحتية كما كانت، وذلك لا يتم إلا بتحديث المعدات، وتطويرها بما يناسب العصر. أم أن النية مبيتة لتصفيته من الداخل؟
  المعدات الموجودة تُستهلك، والموظفون البرامجيون والإداريون، والفنيون يخرجون إلى التقاعد دون أن يتم تعويض (على الأقل التخصصات الأساسية التي أصبح فيها عجز حقيقي داخل المبنى) بشباب يدعمون الاستمرار، والشباب عادة هم العنصر الأهم في العمل الإعلامي، ووجودهم هو الحياة لأي مؤسسة إعلامية، كل هذا وأبناء المبنى مشغولون بقضايا وهمية: الهيكلة التي مر عليها أكثر من خمسة أو ستة وزراء، منذ أيام صفوت الشريف ونحن نسمع عنها نفس الكلام دون جديد، نفس اللغط والخوف والقلق والترقب، ثم ماذا؟ هل تم ضم القنوات، هل تم تسريح العمالة، هل تم بيع القنوات المتخصصة، وتسليم القنوات الإقليمية للمحافظين والمحليات؟!

  لم يحدث شيء رغم أن هذا ما نسمعه كل مرة، ونقرأه في الصحف بتغيير صور المسؤولين ليس إلا.. وفي آخر المطاف تم تكوين لجنة لتلقي مقترحات التطوير من العاملين!
  
  هل يعني ذلك أن المسؤولين ليست لديهم خطة تطوير حتى الآن؟!
وإذا كان الأمر كذلك، متى سيكوِّنون أطال الله أعمارهم، خطة للتطوير؟ هل سيكون ذلك بعد أن لا يبقى في ماسبيرو إلا الحوائط، و يصبح مبنى بلا بنية؟!

 
أحمد صلاح الدين طه
dedalum.info@gmail.com
















 

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم