وظائف خالية

ماسبيرو المرهون

هل التليفزيون المصري رسمي؟
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
عن مواهب ماسبيرو التي يحتاجها السيد مكرم

ماسبيرو المرهون
 


 

  نعم.
  ماسبيرو مرهون.
  ماسبيرو  رهن اعتقال ديونه، و أزمات أجور العاملين فيه، و أزمات الإنتاج التي لا تنتهي، و أزمات العوائد التي يتحدث الجميع عن انتظارها دون تقديم أي دعم للإنتاج يمكن أن يؤدي إلى تحصيل أي نوع من الأرباح، و لو معنوية.

  مجلس الشعب يشكل اللجان، و الحكومة توجه "الكبسات"، و الكل يهتف و يجلجل صوته أنه سيضرب بيد من حديد أي نوع من إهدار المال العام. لكن الإجابة تأتي من الداخل - بثقة، و روية، و قناعة - على لسان السيدة رئيس الإذاعة:
  "نحن لا نملك المال لإنتاج البرامج، أي مال عام نهدره؛ كيف نهدر مالاً و نحن لا نملكه أصلاً".

  بلى، ما قالته السيدة نادية مبروك رئيس الإذاعة ينطبق على جميع القطاعات، لا يوجد أي تمويل يكفل وجود إنتاج لا أقول منافساً، بل "أي إنتاج و السلام".

  و مع ذلك كل اللجان -من جميع الجهات - تصر على توجيه مساعيها الاتجاه الخاطئ، الذي كالعادة لن يؤدي إلى حلول. مثل الحديث عن التوقيع و (البصمة)، الحضور و الانصراف، تقييد العاملين داخل المبنى للساعات الثماني التي لم تكن حلاً لزيادة الإنتاج في أي من قطاعات الدولة الأخرى لنرجو منها فائدة في مجال الإعلام.

  أولاً: أزمة الديون:  

  يروق للبعض تصوير الأمر و كأن سبب ديون ماسبيرو ضخامة حجم العمالة، أو سوء استغلال التمويل الذي يأتي من الموازنة العامة، الذي بالكاد يكفي الأجور، و لابد أيضاً من ترصيع أخبار المبنى بالتلميح إلى أن العاملين يتقاضون مبالغ ضخمة دون وجه حق، فمثلاً تجد في الأخبار أن سكان ماسبيرو سيتقاضون منحة قدرها أربعة ملايين جنيهاً، دون أن تشير هذه الأخبار أن الملايين الأربعة ستوزع بنسبة مائة جنيه فقط للموظف سيتقاضى منهم بعد خصوماتٍ ما لا يزيد عن ثمانين جنيها. 

  أيضاً لابد من أن يشير ناقل الخبر إلى ثورة يناير، وهي شماعة مناسبة لكل الأزمات؛ الناس تصدق بسهولة أن كل شيء كان أفضل قبل الثورة، رغم أن الحقيقة خلاف ذلك؛ فكل أزمات المبنى سببها سوء الإدارة، و فوضى الإنفاق، و الاستدانة لتمويل مشاريع قومية مثل إطلاق القمر الصناعي المصري، أو إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي. تلك المشروعات التي امتصت مدخرات ماسبيرو الذي كان يحتكر سوق الإعلان، والخدمات الإعلامية، و الاتصالات بشكل شبه كامل، و استدان لتمويلها، و الآن لازال يتحمل وحده أعباء هذه الديون.

  الغريب أن السبب الحقيقي لأزمة الديون ليس استمرار التليفزيون في الاستدانة، و إنما تكاثر فوائد الديون. هذه الديون ليست لجهة أجنبية، أو بنك خاص، و إنما لبنك الاستثمار المصري القومي الذي أنشئ لتمويل المشاريع القومية المصرية، و هذه المشاريع التي استدان التليفزيون لتمويلها مرهونة الآن حصة التليفزيون فيها للبنك، والبنك يحصل على نصيب التليفزيون من الأرباح كاملاً، و هو ليس قليلاً. مع ذلك الأزمة مستمرة لأن الديون تتضاعف عاماً بعد عام. و كما هو واضح سيستمر الوضع في التردي لأن السداد لا يشمل أبداً أصل المبلغ، و الفوائد في تضاعف مستمر.

  ذلك باختصار مفهوم المثل الشعبي:
"السلف تلف و الرد خسارة". 
خاصة إذا كانت جهة حكومية تقترض من بنك حكومي لتمويل مشروعات للحكومة النسبة الأكبر فيها، و عوائد هذه المشاريع الاقتصادية يستولي عليها البنك الحكومي لأنها مرهونة له سداداً لأمواله، و الجهة الحكومية التي أنشأت للحكومة المشاريع القومية لم تعد موجودة بقرارات الحكومة و نواب الشعب، و أنشئت بدلاً منها هيئة حكومية وليدة، فيتم تكبيل الهيئة الجديدة بديون الجهة القديمة، فيصبح العائد من إنشائها صفر، و يكون الخاسر في جميع الحالات هو الشعب الذي تمثله الحكومة، و الحل الوحيد إذاً أن تتدخل الحكومة لتسوية الأزمة التي لو لم تحل سريعاً فستستمر في تفاقمها، و سيستمر تجمد الجهات و الأموال الحكومية، و بذلك؛ لا ننتظر أي جدوى من أي إصلاح.

  ثانياً: أزمة الإنتاج:  

  هذه الأزمة مركبة بعض الشيء، و مع ذلك لم يجعل الله داء إلا و أوجد له دواء. 
  برامج التليفزيون لا تجد تمويلاً مناسباً يسمح لها بالمنافسة، خاصة و ماسبيرو مضطر، فيما يبدو، لمنافسة جهة حكومية أخرى تتبناها الدولة، و تفتح لها مجال الإنفاق بشكل غير مسبوق، و بتمويل مباشر من جهاتٍ لا تخضع للرقابة المالية من أي مؤسسة من مؤسسات الدولة الرقابية. الوضع مأساوي كما يظهر، لكن الحل أبسط ما يكون، بل هو تحت أقدامنا، و هو باختصار يتمثل في التوقف عن السعي للمنافسة. اترك الحلبة و ابحث عن مجال آخر لم يتطرق له منافسوك.

  إذا كانت جميع القنوات اتجهت إلى البذخ، و برامج المنوعات و الإبهار، و النجوم الذين تحولوا جميعاً من ضيوف إلى مقدمي برامج يتقاضون أجوراً ضخمة جداً، كل هذا لو سعينا في إثره سنخرج دون شك خاسرين، و هو ما جربناه فعلاً.. 
  حاول التليفزيون أن يكثف من برامج الهواء لتنافس مثيلاتها في القطاع الخاص. و حاول الإفراط في الإنتاج داخل الاستوديو أو متعدد الكاميرات في الإذاعات الخارجية، و النتيجة أن الإنتاج أصبح باهتاً. معظم النجوم لن يأتوا إليك لأنهم يعملون لصالح قنوات و وكالات إعلان تحتكرهم، و حتى الضيوف الأقل شهرة أصبحوا يتشرطون حتى إن بعضهم يفرض رأيه في نواح إخراجية. و حتى الأصلاء الذين يأتون اعترافاً بفضل ماسبيرو عليهم أو رغبة في دعم تليفزيون بلدهم يقعون أحياناً تحت ضغوط، مثلما حدث مؤخراً مع أحد علماء الدين الذي كان مضطراً للحصول على إذن من القناة الفضائية التي تحتكره للظهور في برنامج على شاشة التليفزيون الرسمي.
  
  كل ذلك لن يصبح ذا أثر كبير لو ترك ماسبيرو للفضائيات هذه النوعية المستنزفة من الإنتاج، و اتجه إلى الإنتاج الفقير. لماذا لا تصبح جميع برامج التليفزيون برامج شارع، و استخدام أسلوب الميزانيات المنخفضة؟
لماذا - بدلا من النجوم - لا يتوجه التليفزيون للفنانين الصاعدين، و فرق الهواة التي هي بحاجة للدعم، و مستعدة من جانبها لدعم أي قناة و بذل المجهود لصالحها دون مقابل، فقط لو شعروا أنك منهم و لهم أنك تريد بإخلاص أن تكون قناتهم.

  لماذا لا ينسى التليفزيون فكرة أنه يقوم بتوجيه المواطنين، و بدلاً من ذلك يقف معهم في نفس الخندق، كم كانت قنواتنا ناجحة عندما كانت تفعل ذلك، و كم كنا سعداء عندما كنا نسلط الضوء على أزمة نظافة في شوارع متطرفة أو قرية نائية.

  لماذا لا يستغل التليفزيون أعداد الموظفين الإداريين الضخمة و التي أصبح يعيرنا بها كل من هب و دب، في إنشاء مركز تفاعلي يتلقى شكاوى المواطنين عن طريق السوشيال ميديا، و رسائل التليفون و الاتصال الهاتفي أو حتى مكاتب صغيرة في الأحياء و المحافظات، أو ما يستجد من وسائل، و يوجه القنوات التليفزيونية الرسمية لتغطيتها، أو يساعد في توجيهها إلى المختصين مباشرة. و ذلك ليس إلا جزءاً منطقياً من مهام تليفزيون رسمي يجب أن يكون ذراعاً معلوماتياً للدولة. بدلاً من تكليف هؤلاء الموظفين بأعمال وهمية مثل التفتيش على زملائهم و ملاحقتهم بدفتر الحضور و الانصراف.

  أيضاً لماذا لا يتم تفتيت الهيكل المؤسسي التقليدي و نحن إزاء هيئة جديدة بهيكل لابد أن يذهب أبعد من تغيير الاسم من اتحاد الإذاعة و التليفزيون إلى الهيئة الوطنية للإعلام؛ فالهيكل القديم طالما استنزف أموال المبنى في تداول وهمي، مثل أن الاتحاد كان يشتري المعدات طبعاً لتستخدمها قنواته، و ملكية هذه المعدات تعود لقطاع الهندسة الإذاعية ثم تقوم القنوات بتأجيرها من القطاع التابع للاتحاد إلى ما لا نهاية مما يعني أن الاتحاد سيدفع ثمن المعدات آلاف المرات، طبعاً البعض يعتقد أن تداول الأموال هذا داخلي و لا فقد فيه لكن الواقع خلاف ذلك، فهناك الملايين تفقد نتيجة هذه الحركة، و بشكل قانوني. لو تم تفتيت هذا الكيان و أصبحت كل قناة مستقلة بمعداتها و استوديو واحد لاستخدامه عند الحاجة، ثم إدارات بسيطة تتبع مباشرة رئيس القناة، مثل إدارة تحريرية تشمل المعدين و المحررين و المحاورين التليفزيون، و إدارة إنتاجية تشمل المذيعين و المخرجين و المصورين،و الإنتاج و الفنيين المساعدين، ثم إدارة هندسية تشمل مهندسي الفيديو و البث و الصيانة، و الفنيين المساعدين لهذه التخصصات.. كم سيوفر ذلك من فقد في الميزانية.

  ثالثاً: أجور العاملين:  

  هل فعلاً أجور العاملين هي السبب كما يدعي البعض لأزمة إهدار المال العام؟
  و هل إجمالي تمويل الدولة لموظفي تليفزيونها الرسمي مبالغ فيه كما يظن البعض؟
 مما سبق يتضح أن ذلك ليس حقيقياً، بل بمقارنة أجر أي موظف في ماسبيرو بقرينه في أي قناة مصرية أخرى، يتضح أن ذلك ليس أزمة إطلاقاً. إذا أرادت الدولة أن يكون لها تليفزيون رسمي، و ألا تبيعه مثلما باعت مصانع القطاع العام في مراحل سابقة.

  الأزمة الحقيقية في وهم الأجر مقابل العمل.

  رغم أن بعض مقدمي برامج التوك شو الواصلين انبرى صائحاً:
"كفاية فساد، لازم اللي يشتغل ياخد، و اللي ما يشتغلش مالوش".

  ما يعرفه جيداً من قال هذا الكلام أن الأجور في التليفزيون رُبطت بالعمل من عشرات السنين؛ فمثلاً المصور أو المخرج أو الفني أو من سواهم لابد له من أداء عمل للحصول على أجر نظير، و لو جاء عليه شهر تعرض لوعكة صحية منعته عن العمل سيضطر إلى قضاء شهر تالٍ مفلساً تماماً كعمال التراحيل إلا قليلاً. يعني الفكرة نفسها قائمة، و هي ليست الفارق الذي سيؤدي لإصلاح حال الإعلام الحكومي.
 
 القضية أن فكرة الأجر مقابل العمل، و التي تبدو طريقة قيمة ظاهرياً، لها مساوئ عديدة في التطبيق. من ناحية عندما وضع وزير أسبق هذه الطريقة لمحاسبة العاملين، لم تكن "النية صافية" فقد كان الهدف السيطرة على العاملين، و إيهامهم أن أرزاقهم مرتبطة بولائهم للمؤسسة و صاحب المؤسسة، و كانت النتيجة أن "ولاءهم" زاد، و جودة إنتاجهم قلت.

  نتيجة أخرى تمثلت في لجوء العاملين للعمل في القطاع الخاص، حتى قبل وجود القنوات الخاصة، كانوا يعملون لصالح وكالات و مكاتب الإعلانات، أو شركات الإنتاج، أو حتى القنوات الأجنبية. كل ذلك بهدف تأمين دخل إضافي، خاصة و مع وجود قنوات خاصة احتاجت خبراتهم لمدى بعيد و أصبحت تدفع لهم شهرياً مرتبات أكبر أو أقل قليلاً من إجمالي دخلهم من ماسبيرو، و في جميع الحالات تمتاز هذه المرتبات بالثبات مما يجعلها أهم عندهم من أجور ماسبيرو التي مهما زادت ستظل في خانة ( الزيادات ) التي لا يعتمد عليها الموظف، و لم تعد تشكل ولاءه للجهة التي يعمل لها كما كان يظن من وضع هذا النظام.

  لذلك، أي تطوير لا يضع في الحسبان وجود أجر ثابت ( يعتمد عليه ) لجميع العاملين لن يؤدي إلى تحسن في الأداء.

  رابعاً، و أخيراً: ماذا عن العوائد؟  

  للأسف، كل من يتصدى للحديث عن ماسبيرو من نواب الشعب أو رقباء الدولة أو حتى ألسن القنوات الخاصة، يغفل أو يتجاهل كون هذا المبنى يمثل الإعلام الرسمي للدولة، و على الدولة أن تحدد هدفها من وجوده، حتى و لو مرحلياً.

  هل تريده الدولة كما كان، و لما أنشئ له أصلاً: ذراعاً إعلامياً لها؟

  أم تريده: هيئة استثمارية تدر الربح عليها لتنفق من دخله على مشاريعها الأخرى؟

  أم تريد الأمرين كليهما، أن يكون ذراعاً إعلامياً، و في نفس الوقت يحقق بعض الربح؟

  في اعتقادي أن الدولة لو ظنت أن الإعلام يمكن أن يكون مجالاً مناسباً للاستثمار، فقد أساءت الاختيار.

  إذا كان المستثمرون جميعهم ممن يملكون قنوات تليفزيونية ( يلطمون ) لأن قنواتهم تنفق دون حدود، و لا تحقق عائداً، فيما عدا قنوات غسيل الأموال. فعلى الدولة أن تتأكد أن انتظار عائد مادي من التليفزيون لا يعدو كونه حرثاً في البحر.

  أما إذا نظرت الدولة لإجابة السؤال القائم: لماذا يحرص رجال الأعمال و الدول العظمى، و المؤسسات السياسية و الاقتصادية و العسكرية الدولية على امتلاك قنوات تليفزيونية عامة، و التحكم في المزيد من القنوات التليفزيونية؟ لأصبح بإمكانها اتخاذ الإجابة الصحيحة، و هي من وجهة نظري أن التليفزيون أساساً ذراعٌ إعلامي، يجب أن تنفق عليه الدولة لتراه قوياً. و في نفس الوقت لا مانع من التفكير خارج الصندوق لتمتلك الهيئة الإعلامية بعض نشاطات اقتصادية برعاية الدولة تتولى تعويض بعض خسائرها، و ربما تحقيق بعض الربح أيضاً.
أحمد صلاح الدين طه





 

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم