وظائف خالية

مهرجان البحر الأحمر السينمائي بين الطموح الشرعي والمخاوف المشروعة نيركوك.. صغير السودان الذي مازال يعاني
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
ليلك.. الزهر الذي يبهج والفيلم الذي يثير الشجن

مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جدة, Red Sea Film Festival,Jeddah










  قبل أيام اختتم مهرجان البحر الأحمر فعاليات دورته الأولى والتي لا نستطيع أن نقول إنها الدورة المؤجلة منذ ما يقارب العامين، الحقيقة أنها الدورة الثانية، فرغم تأجيل انعقاد الدورة الأولى بسبب جائحة كورونا، إلا أن هذا القرار أُخذ قبل الافتتاح مباشرة حتى أن الجميع كانوا تحضروا للمهرجان الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية، وكانت فعليًا جميع الفعاليات جاهزة لا ينقصها إلا قص الشريط وحضور الجمهور، من جهة أخرى كانت إنجازات الدورة الأولى بدأت ولم تتوقف، بين المساهمة في إنتاج أفلام سعودية بتمويل سخي نسبيًا، واكتشاف مبدعين (ومبدعات) من أهل المملكة، وورش تدريبية، وملتقيات سينمائية، والمساهمة في ترميم أفلام عربية رائدة ليوسف شاهين وخيري بشارة، واستكشاف علاقة السعوديين بالسينما من خلال معرض لرائد التصوير السينمائي في جدة صفوح النعماني، واستضافة معرض عن أعمال المخرج الإيطالي فيديركو فيلليني والكشف عن تطلع المملكة لتكون منتجـًا، مركزًا سينمائيًا للصناعة وليس مجرد سوق لاستهلاك الفيلم الأمريكي والهندي والمصري والتركي كما كان الأمر من قبل، وغير ذلك القائمة طويلة.

  بسبب كل هذا نستطيع اعتبار الدورة الحالية للمهرجان الدورة الثانية، أو الدورة الأولى (بشَرطَة)، أي أنها ليست امتدادًا فقط لكن أيضًا شملت تغييرات، وفعاليات جديدة، خاصة مع تغير المسؤول عن المهرجان قبل شهور والذي كان في الدورة السابقة المخرج السعودي محمود الصباغ صاحب أول فيلم سعودي يعرض في مهرجان برلين السينمائي (بركة يقابل بركة) الذي أنتجه بالجهود الذاتية، ثم تولى مسؤولية الدورة الحالية المنتج السعودي الهوليودي محمد التركي الذي أثبت نفسه كمنتج سينمائي لأعمال ضخمة في عاصمة السينما في العالم خلال وقت قصير، ولا يمكن أن نغفل عن ما يمثله هذا التغيير من الصباغ (المخرج/المنتج/المحلي) إلى التركي (المنتج/رجل الأعمال/الهوليودي)، فقد استطاع التركي رغم قصر الأمد الذي تولى فيه المسؤولية أن يضفي طابعًا هوليوديًا على المهرجان، استطاع أن يضاعف أعداد الضيوف الهوليوديين للمهرجان من أصدقائه، وأيضًا نجوم السينما المصرية (المصريين والعرب)، وأعطى مساحة لا يستهان بها لموقف السجادة الحمراء ملتقى الزهو للمهرجانات، وهو ما قد يراه البعض أمرًا مبهرًا، وهو مبهرٌ حقًا ويساهم بشكل كبير في تقديم صورة المملكة لما تراه لمستقبلها في مجال السياحة ومجال جذب أنظار المستثمرين في صناعة السينما كمركز لتصوير الأعمال العالمية، كما قد يراه المهتمون بالسينما كفن بعين الرافض للانبهار فالسجادة الحمراء تحول كل جماليات الفن إلى حلوى تتطلع لها الأفواه النهمة، ولكل أسبابه المنطقية، ولنا أسبابنا ألا ننحاز إلى هؤلاء ولا هؤلاء، بل ندعو الجميع لوقفة وسط تنال الخير، ولا ينالها السوء.



 

طموح شرعي


  المملكة العربية السعودية تعتبر واحدة من أهم دول المنطقة، ولها حضورها عالميًا لأسباب عديدة لن نضيف الكثير إذا عددناها؛ فالجميع يعرف ذلك.

  استطاعت المملكة عبر عقود منذ نشأتها أن تقوي وحدة شعبها، وتمنحه الكثير من الخير الذي كان مكنوزًا، ولم يكن بإمكان شعب متفرق إلى قبائل ومجتمعات محدودة منتشرة في صحراء شاسعة أن يستفيد بهذه الخيرات، الآن بهذه اللحمة بين أرجاء السعودية أصبح لدى قادتها تطلعات في مجالات اقتصادية عديدة تتخطى حدود الماضي، بل لا ترى في المستقبل حاجزًا يمنع تقدمها، ومن المجالات التي كانت تبدو بعيدة عن الخيال التقليدي، هي صناعة السينما، فرغم إسهام التمويل السعودي بشكل ملحوظ في تمويل الإنتاج السينمائي، والدرامي التليفزيوني، والفني عامة في الدول العربية وخارج العالم العربي؛ إلا أن أرض المملكة ظلت بعيدة عن احتضان هذه الصناعة الهامة ليس اقتصاديًا فقط، لكن ثقافيًا أيضًا.

  الآن، فجأة؛ تعلن السعودية أنها تضع خطة لإنتاج 100 فيلمًا في العام، وهو ما يبدو رقمًا كبيرًا جدًا إذا قارناه مثلًا بحجم الإنتاج المصري باعتبار مصر الدولة العربية الوحيدة التي يتوفر فيها وجود صناعة سينما مستقرة، وسوق سينمائية عريقة مهما تعرضت لصدمات ووقفات تعود قوية، ومع ذلك لم تعد تنتج في الموسم أكثر من خمس هذا الرقم، مما يعني أن السعودية قد يتخطى إنتاجها السينمائي الإنتاج العربي كله المصري والمغربي والسوري واللبناني، فإذا أخذنا في الاعتبار أن سوق التوزيع الرئيسية لجميع السينمات العربية هي هي نفس السوق ونفس الجمهور، قد نكون دخلنا في مأزق حقيقي، بالتأكيد سيكون على السعودية طمأنة الآخرين أنها لن تنوي احتكار صناعة السينما في المنطقة، حيث تستطيع ماديًا أن تدمر صناعات السينما الأخرى في المنطقة، بل وتقضي عليها تمامًا، وستتمكن لو أرادت أن تسحب نجوم السينما العرب، وهو أمر متوقع إذا كانت ستتوسع في توزيع أفلامها، وهو هدف طبيعي؛ فلا يعقل أن تقتصر على توزيع أفلامها محليًا خاصة أن المنصات الرقمية لم تترك مساحة لفكرة التوزيع المحلي، ومعظم هذه المنصات تملكها أو تمولها المملكة حتى لو بشكل غير رسمي، ربما اضطرت أيضا لسحب الكثير من الكفاءات الفنية والتقنية في الدول العربية الأخرى، وبذلك لن تعود هناك سينما عربية في مكان آخر، وتلك أزمة ثقافية رهيبة لا بد أن يحسب حسابها، وقد يكون حلًا مقبولًا أن تعلن هيئة الأفلام السعودية استخدام جزء من الميزانية التي وضعتها لإنتاج هذا الكم الضخم من الأفلام لدعم السينمات العربية الأخرى، وليس ذلك اختراعًا، فلطالما فعلت ذلك كثير من الدول الأوروبية لضمان شفافية ونزاهة المنافسة.




 

قلق مشروع


  إذا كان أهل الصناعة متوجسين مترقبين ما قد ينتج من الطفرة الهائلة في النظر السعودي للسينما التي أعلنها انعقاد مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ثمة قلق من نوع آخر أثارته صيرورة المهرجان على بعد كيلومترات معدودة من الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في مكة المكرمة، خاصة مع بعض التعليقات من ضيوف المهرجان ممن لا ينكرون تصوراتهم المجحفة حول الإسلام، مما ظهر للمسلمين حول العالم كغزو للمجتمعات الإسلامية في قلب حرمهم الذي يعتبرونه ملاذهم الأخير على الكوكب، ولا ينسى أحد أن قيام الدولة السعودية ارتبط بتعهدات مؤسسها المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود لمسلمي العالم بحماية أرضهم المقدسة وصيانتها وتيسير الحج إليها، كل ذلك أثار قلقهم في كافة بقاع الأرض بنفس قدر القلق لدى المواطنين السعوديين أنفسهم الذين دون شك يهتمون بأمر دينهم وعهد مؤسس دولتهم أكثر من اهتمامهم بالسينما، قد تكون هذه النقطة شائكة لأبعد الحدود، لكن مجرد انتباه القائمين على المهرجان إليها ومراعاتهم في الدورات المقبلة لأسماء الضيوف ونوعيتهم، والاهتمام بالجانب الفني والصناعي وهو الهدف الحقيقي للمهرجان وإبرازه بدلًا من السجادة الحمراء المرتبطة بثقافة النجومية التي هي ضد ثقافة السينما أصلًا تثير سخط فناني السينما الحقيقيين بنفس قدر إثارتها سخط المتدينيين المعتدلين.

  على ذلك نهنئ أنفسنا بنشأة بوابة سينمائية جديدة ونبارك المجهود الواضح للقائمين على المهرجان الذي نرجو أن يكون بابًا للفن الذي نؤمن أنه طريق لرقي المجتمعات، مع الحرص على عدم الوقوع في مهوى التجارة والانبهار بأضواء وهمية تزيغ العين وتجعل مجتمعنا أكثر تماهيًا مع الثقافة الغربية التي قد لا تحترم ثقافتنا وهويتنا بالقدر الذي يليق بنا ويسمح لنا باحترام أنفسنا.

 
أحمد صلاح الدين طه
18 ديسمبر 2021
dedalum.info@gmail.com













مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جدة, Red Sea Film Festival,Jeddah













مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جدة, Red Sea Film Festival,Jeddah












مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جدة, Red Sea Film Festival,Jeddah







 
avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم