وظائف خالية

كلنا عواطف ..شرم الشيخ بطعم المصريين

التصوير صعقا .. تجربة فوتوغرافية لا تكررها في المنزل
Total online: 4
Guests: 4
Users: 0
ثناء و لوم يستحقهما قطاع الأخبار

كلنا عواطف ..شرم الشيخ بطعم المصريين

عواطف التي لا تعرفونها، ليست ترجمةَ لفظٍ  يعني المشاعر أو مكنونات النفس، عواطف هي "الموديل" التي كان علينا رسمها في إحدى محاضرات (سكاشن) الطبيعة الحية ونحن طلبة.

  عواطف جلست بثقة أو ربما لامبالاة وسمعت أستاذنا الدكتور يقول لنا: انسوا نسب الجمال الأثينية. لا تفكروا في معايير فيثاغورس للتناسق؛ ليست لدينا موديل من ألمانيا ولا غادة باريسية، ليس معنا هنا سوى عواطف.

  طبعاً بعضنا أخذ يهمس ويخفي بيده ابتسامة لاهية تكاد تتحول إلى ضحكة تجلجل لو ترك لها العنان. كلنا أخذنا نتفحص السيدة بجسدها السمين المترهل، ثوبها المتهدل كثير التجاعيد وغطاء رأسها الشعبي.

  هي أيضاً كانت تقلبنا بعينيها.

  نظرتها تخبر من يتأملها أنها واثقة تعرف ما لا نعرفه، ولا تكترث لسخريتنا التي تبدلت عندما فوجئنا بأستاذنا يقول:

  "من لا يدرك الجمال في هذه المرأة لن يستطيع بعد سنواتٍ النظر في المرآة، أنتم لم تروا عواطف في شبابها، وكذلك لا تستطيعون -حتى الآن- أن تروا أنفسكم في سنها.

  كلماتٌ جعلتنا نتحول عن السخرية إلى التأمل. معظمنا استطاع أن يدرك المعنى ويفهم أن الجمال الذي وضع الفلاسفة والعلماء والفنانون والمتأملون مقاييس محكمة له لم يكن جمالنا نحن، ولو حاكمنا أجسادنا بمعايير الآخرين ما استطعنا يوماً أن نتصالح مع أنفسنا.

  هكذا أصبحنا نتأمل العالم ونتعامل مع بيئتنا بمنظورٍ مختلف، برؤية مغايرة لا يستطيع تبنيها هؤلاء الذين تصدمهم مدينة كشرم الشيخ في ثوبها الجديد.. ثوبها الذي ترتديه عكس من كانوا يسكنونها من قبل.

  من اعتاد رؤية شرم الشيخ وأجساد الحسناوات الروسيات والناهدات من بنات إيطاليا تمرحن على شواطئها مع فتية ذوي بنيان روماني محكم؛ لا يستطيع -حتى الآن- التأقلم مع المظهر الجديد للمدينة التي أصبحت أقرب ما يكون إلى مصايف أبناء البلد كالأسكندرية أو جمصة أو رأس البر.

  راحوا وهم كثيرون ينتقدون أبناء جلدتهم ويسخرون من لباسهم وتصرفاتهم وثقافتهم برمتها، ملأوا بالتعليقات العنصرية مواقع التواصل:

  "شفتي اللي نازلة البحر بالمايوه الشرعي"

  "بص اللي قاعد ع البيسين بهدومه"

  "لاحظتوا الناس بتاكل في المطعم إزاي"

  "ياه ع الزحمة، دي ما بقتش شرم"

  "سياحة، هي فين السياحة دي، الله يرحم أيام زمان"

  نعم، أيام زمان كانت للمدينة طبيعة مختلفة، كان من يذهب إليها يمتع نفسه بإحساس أنه خرج من مصر ويستطيع أن يعيش أياماً مغايرة، أياماً يتظاهر خلالها أنه خواجة وسط الخواجات، ونظراً لمركب النقص المتغلغل في نفوس الكثيرين والذي يطلق عليه "عقدة الخواجة" كان يحس أنه أرقى، أنه من جنس أسمى؛ نوعٌ من العنصرية التي نمارسها دون قصد ضد أنفسنا.

  الآن، هؤلاء -الذين يسوؤهم مظهر شرم الجديدة- عليهم أن يدركوا كون شرم لم تذهب مذهب المصريين؛ هي فقط عادت إليهم.

  كأني بها اليوم تحررت بشكل حقيقي.

  شرم التي كانت مقصداً أقرب إلى الإسرائليين منها إلينا، تعود لتصبح جزءاً من مصر التي نعرفها بعد إحتلال طال أمده؛ فليس التحرر حبراً منثوراً على أوراق الإتفاقيات وإنما هو التحامٌ كاملٌ للأطراف التي كادت تبتر بأجسادها.

  من يستاء من شرم اليوم و"صعبان عليه" السياحة، عليه أن يتذكر كم تبخرت هذه السياحة في وقت الجد كما تتطاير الزيوت من زجاجات العطر المفتوحة.. كلما وقع حادث أو استحدثت أزمة تفر السياحة الخارجية بكل أجوائها المصقولة من منازلنا السياحية كما يفر الصحيح من مجذوم، ويستدعي أولو الأمر أبناء البلد ليرفعوا مواطن السياحة من كبوتها ويسنِّدوها حتى تصح.

  لو أخذنا في الإعتبار كم مرة حدث هذا لوجدنا في النهاية أن الاعتماد على السياحة الداخلية أجدى، وإذا اهتممنا بها ستأتي "في رجلها" السياحة الخارجية، ويا أيها المحزون اللامتصالح مع نفسه: لا تبكين على الأجانب؛ هم بدورهم لم يأتوا إليك ليبكوا معك.

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم