وظائف خالية

شرم التي في خاطري

تاريخك في التليفزيون المصري.. طيط
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
مسابقة إبداع.. و الزمن الذي لازال جميلاً

 


 
  شرم الشيخ، ليست ككل المدن، هي واحدة من مدائن قليلة يستطيع هواؤها أن يغير مودك، يقلب حالك، و يشقلب موازينك، يجعلك تكتب ألفاظا بهلوانية، و أنت تستهدف لغة رصينة، أو عكس ذلك. يعزلك عن الحياة التي تركتها منذ قليل، و يدفعك دفعا إلى عالم أرحب.. هواؤها كالهوى تنتشي به الروح، ترتشفه العيون، تطرب لنسيمه الآذان، تصغي إليه فيكتسيه الجسد حلة قشيبة، و حالة عجيبة.

  مخطئ من ينسب روعة شرم الشيخ لجمال مناظرها، أو لروعة ربوعها، أو لبهاء مبانيها. مخطئ من يتعامل معها كتحفة مستوردة. وطنا مشمساً للأجانب يعودون إليه كلما نخر برد بلادهم عظامهم. مخطئ من يتصورها مجرد محل لعلية القوم، للسياسيين، لمنظمي الحفلات و المؤتمرات، و الرحلات، و حتى الجلسات اللطيفة.. مخطئ من يعتبر جمالها مكمنه كل ذلك فقط، و إن كان كل ذلك فيها.

  شرم الشيخ تتميز بخاصة تفوق كل ذلك، خاصية تكمن في هوائها، لا شك لو عرفها العرافون لاستوطنوها منذ سنين، خاصية جعلت الملايين يفدون إليها على اختلاف فصولها، دون أن يجدوا بأسا في حرارتها الشديدة بالصيف، بل يستمتعون بهذا القيظ في الصيف، كما يستمتعون بدفء شتائها الرائع.. سر هواء شرم الشيخ أنه يشحذ وجدانك، و يجعلك بفضل الله تستشف المستقبل، فينكشف لك ما عمي عنك.. لو لم تصدقني. لن آت إليك ببرهان فقط أسألك أن تجرب. تعال إلى شرم الشيخ، تمشَّ في شوارعها، منتجعاتها، ارمح على شواطئها، و انتبه لفؤادك.

  دع هواء شرم الشيخ يقودك، اسمع منه و مني؛ فللحديث شجون.

  لاتزال كلماتٌ قلتها قبل أكثر من عقد ترن في أذني، عندما أحنقني هواؤها الذي خمد فجأة. و أصبح مكتوماً كحياة معلبة في عبوات شاى منتهي الصلاحية.. نظرت لزملاء العمل الذين كانوا إلى جواري، و قلت لهم:"هذه المدينة ميتة".

  كلماتٌ من وحي السلوك الغريب لهواء المدينة الذي طالما أنعش حواسنا. كلمات لم أدرك – لحظتها – معناها، بل ربما لا أعرف لماذا قلتها، لكنني قلتها، و نظر نحوي الزملاء نظرة غريبة، كنظرات شخوص أحد أفلام الزومبي، لا معنى لها، و إن كانت تحمل رسائل متزاحمة، رسائل فحواها أنهم مثلي وصلهم القلق، و يسلمون بأن شيئاً مريباً يدور، و هواء المدينة ينذرنا بأسلوبه الخاص، يبلغنا أن نأخذ حذرنا و نستعد لأمر جلل، و قد كان.

  لم تمض إلا لحظات وصلت فيها إلى غرفتي، و توضأت لأصلي، أقمت الصلاة.. قرأت القرآن، و ركعت.. قمت من ركوعي فوجدت قوة عجيبة تدفعني، و كأن قبضة جهنمية تدفع ظهري حتى كدت أسقط، أو ربما سقطت فعلاً موضع سجودي، مع صوت عنيف يصم الآذان، مصيبة ضخمة ألمت بالمدينة، و مصرَ كلِّها، إنفجار شرم الشيخ.. الأول بين ثلاثة انفجارات متتالية هزت المدينة، و المنطقة بالكامل، ربما نستطيع التأريخ لحياة المصريين بهذا الانفجار، فقد كانت من بعده تحولات ضخمة، و طفرات مدهشة، في السياسة، و الاقتصاد، في سلوك المجتمع، و هيكل الدولة. منذ ذلك الحين، و كل نار نبذت ما جنَّها من رماد لتصعد إلى السطح، و تطيح بكل ما، و مَن، لم ينتبه لوجودها، و لا احترس مع تأججها.

  في ذلك كان هواء المدينة صادقاً معنا، روحه حذرتنا، و طيفه أنذرنا. "عمل اللي عليه" و عداه العيب.

  بعد ذلك اختبرناه كثيراً، في الحلوة و المرة، كانت له دائماً إشارات و علامات، و حبذا منه دلائل تؤمنا كما يفعل صديق آتاه الله حكمة، و سخره عوناً لأحبائه.

  اليومَ، في هذه الزيارة وجدت من هواء شرم الشيخ - الصديق القديم، و الخل الوفي - أملاً. شيء من السعادة يعتريك عندما يستقبلك هواء المدينة منعشاً رقيقاً لطيفاً كما وجدناه في زمن سابق.. سعادة تتأكد عندما تتجول في ربوع المدينة فتراها تعود لبهائها القديم، الفنادق مكتظة بالزائرين، المطاعم نشطة، و الزبائن وفود من كل بلد و جنس و لون، المؤتمرات و المهرجانات تتوالى فتعيد المدينة مقراً دولياً للاجتماعات عالية المستوى، العمال قادمون من مختلف محافظات مصر سعياً إلى رزق حلال.

  الحياة تدب في جسد المدينة، و الحماس يرعى أملا يتدفق في شرايينها، ينبئ عن مستقبلٍ لا شك سيكون مختلفاً، القادم سيكون مدهشاً رائعاً، و من لا يصدقني؛ أدعوه ليسأل هواها، و سينبئه حتماً.

 
أحمد صلاح الدين طه
9 ديسمبر 2018




avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم