وظائف خالية

المحطة الثالثة، محطة إنقاذ الثورة؟

الفريق حتاتة والمجلس الاستشاري
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
الخوف ... والثورة ... والعشق الممنوع

المحطة الثالثة، محطة إنقاذ الثورة؟

   

بقلم أ.د. محمد نبيل جامع 

  أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

 

     سامح الله الإدارة العسكرية للمرحلة الانتقالية لأقوى وأطهر ثورة شعبية على أخبث نظام دكتاتوري فرانكنشتايني حطم العظام المصرية وحول أرض الكنانة إلى دولة مُعَوٌقَة تابعة تعيش على المعونات والقروض والصدقات. وليست شهادة القذافي على ذلك ببعيد. اجتمع الدكتاتور مبارك قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع مجلسه من اللواءات الأفاضل في الوقت الذي كانت فيه ملايين الشعب في ميادين مصر منتظرةً حصاد الهدية العظمى للثورة، وهي رحيل مبارك الذي فاجأنا بتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد. وُضعِت الخطة الجهنمية، ولم يتوقع مخلوق ما، مهما ك ان دهاؤه السياسي، أن رموز الجيش المصري الباسل وقادته الأعلون سوف يقومون بإجهاض الثورة الوليدة. وكانت المحطة الأولى التي امتدت حوالي عشرة أشهر عجاف لتصل الثورة إلى محطتها الثانية، مهزلة الانتخابات البرلمانية المعاصرة التي اعتلى فيها التيار السياسي المتأسلم ثلثي مقاعد البرلمان في المرحلة الأولى من تلك الانتخابات. (وأقصد بالمتأسلم دائما "المستخدم للإسلام، تبعا لفهمه هو، مرجعا لسياسته"، ولا تشكك الكلمة في عقيدة أهل هذا التيار). ولم تكن نية المجلس الأعلى للقوات المسلحة خافية حتى على السذج من أمثالي الذين بدؤوا في التحليل السياسي بعد الثورة وهم بصدد ممارسة المواطنة والمشاركة السياسية، إذ بعد مرور أربعين يوما من تنحي مبارك شعرت بتلك النية فوجهت أول خطاب إلى المجلس الأعلى، وكان موجزا قلت فيه: كان الدمع، ولا يزال، ينهمر من مقلتي، وتندفع الدماء في وجنتي أيام الثورة في أي من مواقف ثلاثة: عندما أرى صور الشهداء، أو أسمع كوكب الشرق تشدو "وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي"، وأيضا عندما أسمع هدير الثوار "الجيش والشعب إيد واحدة". أوكل إليك الرئيس السابق حكم البلاد، طوعا أو كرها، وربما بشرط أو بدون شرط، فمن الطبيعي أن تكون له ممنونا – ثم أوكل إليك الشعب ثورته على هذا الطاغية ونظامه الظالم، وقبلت أيها المجلس الكريم حماية الثورة وتحقيق تطلعاتها فأصبحت بين فكي رحى: الرحمة برأس النظام الفاسد ورموزه، والأمانة الوطنية التاريخية ب حماية الثورة وإتمام تطلعاتها. عبد الله كاتب هذه السطور يقول لكم أيها المجلس الكريم: احفظ عهودك حتى ولو كانت مع كفار قريش، ولكني أقول لك، نحن منك وأنت منا، أنصر أخاك الظالم بأن توقفه عن الظلم، حدد إقامة هذه الرموز بما فيها الرأس الكبرى بدلا من أن تسمح بمناقشة التصالح معهم. بشجاعتكم المعهودة أوقف المشتبه في فسادهم عن العمل السياسي العام لمدة خمس سنوات. إذا فعلت ذلك أيها المجلس الموقر سيكون كل مطلب ثوري بعد ذلك يسير المنال. وإذا فعلت ذلك سوف تمحو كل شبهات التباطؤ التي تهدد العلاقة المقدسة بين الجيش والشعب.(تاريخ 3/4/2011) تعالت الأصوات بعد ذلك ضد المجلس العسكري كلما تأكد لأبسط البسطاء أنه ماض في إجهاض الثورة والحفاظ على النظام القديم حتى لحظة تشكيل حكومة الجنزوري المُؤكدة لذلك تماما، وبمسمى يدعو للسخرية وهو "حكومة إنقاذ". انعدمت الثقة في المجلس العسكري بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب وتمثل ذلك في نداء الثوار بإسقاط المشير وحكم العسكر في جمعة الفرصة الأخيرة يوم 25 نوفمبر 2011. وبدأت المحطة الثانية للثورة بالمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية والتي ستستمر حتى الانتهاء من المرحلة الثالثة ووضع مبادئ اختيار جمعية صياغة الدستور وتشكيل تلك الجمعية وخاصة بالاستعانة بالمجلس الاستشاري الكرتوني وما سوف يعترض ذلك من مشكلات تتعلق بوضع تلك المبادئ قبل انعقاد مجلس الشعب الجديد وما سوف يترتب على ذلك من صراعات، خاصة بين الرابحين من نواب التيار الإسلامي وإرادة المجلس العسكري. ولا شك أن هذه المحطة ستكون مفعمة بالصراعات إلى أن يتم وضع الدستور والاستفتاء عليه. وبعد هذه المعركة في تلك المحطة الثانية وما يمكن أن يترتب عليها من عوار سياسي أو تشريعي تبدأ أهم محطات المرحلة الانتقالية وهي محطة انتخاب رئيس الجمهورية. ويبدو لي أن هذه المحطة الثالثة المتمثلة في انتخاب رئيس الجمهورية، وبالرغم من قصر مدتها بطبيعتها غير المعقدة، إذا لم تتضمن خلق شروط وتعقيدات جديدة متعلقة بالمرشحين، فإنها سوف تكون المحطة الأعلى تأثيرا بالنسبة لتحقيق مطالب الثورة وإرجاعها إلى مسارها الشعبي والذي قامت من أجله. يبدأ الرئيس الجديد باختيار نائبه وتشكيل حكومته والبدء في بناء مصر الذي طال انتظاره. وهنا نأتي إلى صلب ذلك المقال. في البلدان ذات الديمقراطيات القديمة الناضجة، نجد أن شخصية رئيس الجمهورية لا تؤثر كثيرا في أداء تلك الدول لأنها قوية المؤسسات، وتسير على إستراتيجية ثابتة مدروسة وعلى المدى الطويل، ولا تتأثر كثيرا بتغير الأشخاص. أما في الدول المتخلفة أو حديثة الممارسة للديمقراطية فتعتبر شخصية رئيس الجمهورية مهمة جدا جدا. من هنا يجب أن يكون رئيس الجمهورية مختارا على أسس صحيحة للغاية. ونظرا لأن المرحلة الانتقالية للثورة تعرضت لتشوهات خطيرة ودون أدنى تحقيق لمطالب الثورة فإن قضية اختيار شخصية مناسبة لرئيس الجمهورية تصبح مضاعفة الأهمية عما هو الحال حتى في المجتمعات المتخلفة. ولذلك فأنا أتساءل التساؤلات التالية، وأوضح الإجابة عليها للقارئ الفاضل راجيا أن يتأمل هذه التساؤلات وتلك الإجابات. 1. هل تفضل أن تسلم قلبك، لا قدر الله، إلى جراح قلب مبتدئ أم إلى مجدي يعقوب وأمثاله الذين يفهمون ما يعملون بحيث عندما تشفى لا تعود لمزيد من الجراحة؟ كذلك الأمر بالنسبة لرئيس الجمهورية. رئيس الجمهورية هذا هو الدكتور محمد البرادعي. 2. هل تختار رئيس جمهورية انتهازي يريد أن يزهو بالوظيفة ويستمتع بالشهرة والسلطة أم تريد رئيس جمهورية متواضع، شبعان احترام وظيفي وشهرة وسلطة، ولا يحتاج إلى المزيد منها، ويعمل باجتهاد مع فريق كفء محسن الاختيار؟ البرادعي هو الزاهد في السلطة والشهرة "والمنظرة" والمال ومتع الدنيا، وهو من أثبت قدرته الإدارية والعمل الجماعي والمشاركة الجمعية في إدارته لأكثر من 2500 عضوا بالوكالة الدولية للطاقة النووية، وهو من اكتسب خبرات هائلة من التعامل مع ملل مختلفة ومن زيارته لأكثر من 150 دولة في العالم. 3. إلى من تُوكل الثورة ومطالب الشعب؟ إلى من لم يشارك فيها ولم يشارك في إنتاجها، أم إلى من يُعتبر الأب الروحي لتلك الثورة؟ الأب الروحي لها هو البرادعي، هو أخلص من سوف يرعاها ويتبنى مطالبها وتحقيق أهدافها للشعب الذي قام بها. 4. أتُوكل رعاية الثورة إلى إنسان مخلص تفيض دموعه عشقا لمصر وشعبها وإخلاصا لشبابها وموقعها العالمي، أم إلى إنسان ألعبان انتهازي أناني؟ البرادعي هو ذلك المخلص العاشق لمصر وشعبها، والحنون على فقرائها، والمتشوق لإنقاذ بؤسائها. 5. أتوكل رعاية الثورة إلى إنسان واسع المعرفة بأمور الإدارة والتنمية والنهضة وخبرات الدول التي سبقتنا، وقام بتقييم التنمية في تلك الدول، وله من الصلات الوثيقة بقيادات العالم الاقتصادية والسياسية بما يمكنه من اكتساب دعم دول العالم ومنظماتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا أم إلى إنسان تتضاءل لديه هذه المقومات الهائلة؟ طبعا البرادعي هو الاختيار الأمثل والمجسد الأعظم لتلك المقومات المشرفة. 6. أتوكل إدارة الدولة لإنسان أناني يسعى لإرضاء الحاكم والمجلس الأعلى للقوات المسلحة حاليا بالنفاق تارة والتحالف السري تارة أخرى لمجرد السعي لإرضاء غروره والتمتع بالسلطة المفسدة كما قال الدكتور مصطفى الفقي في أبدع ما كتب حول الدكتور الجنزوري دون ذكر اسمه؟ هذا الإنسان صاحب المبادئ الذي لا يهرول للحاكم أو لأمريكا أو لإسرائيل هو البرادعي الذي يهرول على عكس ذلك لإنقاذ مصر وشعبها العاشق لهما، والذي يرعى اللهَ فيهما دون انتظار لأي من متع الدنيا الزائلة. الخلاصة: اختيار رئيس الجمهورية هو المحطة الثالثة للثورة المستنيرة، دعنا بالإرادة الواعية نجعلها هي الإنقاذ الحقيقي لما أفسدته المرحلة الانتقالية بإدارتها العسكرية، وما حافظت عليه من نظام مبارك، خميرة الفساد والإفساد، لا قدر الله، للجمهورية الرابعة، مصر الجديدة بإذن الله سبحانه وتعالي، دعنا نختار البرادعي كفاتحة لرؤساء مصر المنتخبين لندخل في عداد الدول العظيمة التي طال انتظارها لأم الدنيا الحبيبة.

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم