وظائف خالية

ماذا يريد المجلس العسكري؟ ليست "مظاهرة شوية عيال"

كيف يمكن إنقاذ المجلس العسكري؟ روشتة الخروج المشرف.
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
إنقاذ مصر بتحالف العظماء

ماذا يريد المجلس العسكري؟ ليست "مظاهرة شوية عيال"


بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

 
  يا للحسرة، ما حاجتنا لكل هذا الصراع والتخبط، وقد كنا مهيئين لنخط بخطوط من نور على صفحات بيضاء ناصعة خطط بناء مصر الحديثة، بالأخلاق والعلم والإدارة والطاقة البشرية المصرية الهائلة، نخط ما نطق به الشعب المصري الصابر من عيش وحرية وديمقراطية وكرامة وعدالة اجتماعية. أمام مؤسسة عسكرية تريد فرض هيمنتها التقليدية وتحقيق مصالحها الذاتية وأمام تيار إسلامي سياسي منفوش ظن أنه امتلك الإرادة الشعبية المصرية يسعى لأهداف أقل ما يقال عنها أنها خفية انتهازية، ثم ناهيك عن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والعربية، يجد شباب مصر وأحرارها وقادتها الشعبيون المخلصون وكأنهم قد "غَرَقَ دُرَاهم" أو "وضعوا في حيص بيص"، ونجد حالات الاكتئاب والشعور بسرقة الثورة واستلابها وضياع دماء الشهداء وفقأ عيون المصابين وهرس عظامهم كل ذلك وقد ضاع هدرا.
كلمات قلتها من قبل، والآن أتبعها بسؤال: ماذا يريد المجلس العسكري؟

هل يتصور المجلس العسكري أن إدارة مصر (إدارة شئون البلاد) يمكن أن تتم بنفس الصورة التي يدير بها لواء عسكري فرقة عسكرية معينة، أو بنفس الطريقة التي يدير بها رائد عسكري كتيبة أو سرية عسكرية معينة؟ إذا كان الأمر كذلك فقد يفسر هذا فشل المجلس الموقر في إدارة المرحلة الانتقالية وذلك لأنه لم يدرك الفرق بين الإدارة العسكرية والإدارة السياسية. ونظرا لأن التعليم في الكبر كالنقش في الحجر، فلا يمكن تعليمه أو نصحه، ومن ثم فقد وجب تسليم الحكم لإدارة مدنية فورا.

هل وقع المجلس العسكري في عشق شهوة السلطة والنفوذ والهيمنة والتهليل والتكبير من جانب المنافقين له والمنتفعين من ورائه والخائفين من المستقبل الضبابي والآمنين في أحضان قوي يحميهم؟

هل يريد المجلس العسكري مصر جديدة على غرار باكستان يكون فيها الجيش (المؤسسة العسكرية) هو القوة العليا بفرض السيطرة والهيمنة من جانب جنرالات أدمنوا السلطة وفي ظل حكومات لا تسعد بالقبول الشعبي وغياب مؤسسات ديمقراطية مما أدى إلى تخلف باكستان ومعاناتها من مشاكل لا تعد ولا تحصى وذلك بالمقارنة بالهند التي تمكن جواهر لال نهرو منذ البداية أن يخضع الجيش للسلطة المدنية وعزز وقوى المؤسسات الديمقراطية حيث انطلقت الهند على مسار التنمية خطوات وخطوات أمام باكستان المتخلفة؟

هل يريد المجلس العسكري أن يعيد الصراعات بين الجيش من ناحية والتيار الإسلامي كما كان الحال في باكستان أيضا بقيادة أبو الأعلى المودودي؟ هل يريد المجلس العسكري أن يدخلنا في هذا النفق المظلم الذي سوف يبقي مصر دولة متخلفة كما تريدها إسرائيل والولايات المتحدة الخائفة حقا من التيار الإسلامي؟ هل يريد المجلس العسكري أن يعيد تاريخ باكستان الأسود في مصر الحبيبة؟ أي جريمة تكون هذه في حق هذا الوطن الصابر.

هل يريد المجلس العسكري أكبر قطعة من تورتة الثروة المصرية، قوة وهيبة وميزانية سرية لا تُنتقص، تُدفع أولا ثم تتصرف الدولة فيما بقي من ثروتها، كما يفعل بارونات البترول في الدول النفطية، بالإضافة إلى الحفاظ على نصيب المؤسسة العسكرية من الاقتصاد المصري الذي يتراوح بين 10 إلى 30% حسب التقديرات المحافظة أو التقديرات المبالغة؟ إذا كان الأمر كذلك فإن هذا أمر يمكن التفاوض حوله، ولا يمثل مشكلة عويصة يستحق عليها المجلس الأعلى مناهضته، إذ أن هذا مطلب يدخل في عداد المطالبات الفئوية التي أصبحت "موضة" بعد الثورة.

هل يريد المجلس العسكري أن يحافظ على نظام مبارك الذي عاش فيه مطمئنا سعيدا عشرين سنة على الأقل بالإضافة إلى عدم خيانة العشرة التي كان يتمتع بها مع هذا النظام، وأن يحافظ على الولاء لمبارك الذي طالما أغدق عليه من نعم الدولة وثروتها حفاظا على بقاء حكمه كما فعل مع المؤسسة الشرطية؟ ومن ثم فهل يخاف المجلس العسكري من الحكومة المدنية الديمقراطية التي يتصور أنها قد تضمه هو وبارونات المؤسسة الشرطية إلى قائمة المطلوب محاكمتهم مستقبلا بتهم مشابهة لرموز مبارك المحبوسين الآن في طرة؟ إذا كان الأمر كذلك فهذا الأمر يمكن معالجته ببساطة شديدة وهي إعلان المجلس العسكري تصميمه على تحقيق مطالب الثورة بكل إخلاص وجدية، وهنا يبرئ المجلس نفسه ويبدد مخاوفه لأنه قد انحاز إلى الشعب الذي يتمنى أن تعود علاقته مع الجيش إلى الاستشفاء والثقة المعهودة طيلة عمر هذا الجيش الحرفي المصري الأصيل الذي هو جزء من الشعب والشعب جزء منه. وإذا أصر المجلس العسكري على عدم تحقيق مطالب الثورة فهو بالضرورة قد وضع نفسه في هذا المأزق، وأنه يقود البلاد إلى ثورة ثانية علي غرار الثورة الليبية والسورية واليمنية، وهنا فقد وضع المجلس العسكري نفسه في موقف الانتحار وإدخال مصر في حقبة سوداء ستكون نهايتها انتصار الثورة بالضرورة فالشعب عملاق لا يقهر وإن كان تحركه قد يكون بطيئا إلا أنه ماض ماض إلى تحقيق مطالبه بعد الثورة والربيع العربي.

هل يريد المجلس العسكري أن يخضع لاتفاقات سرية مع أمريكا وإسرائيل تحقق ضمان السلام مع إسرائيل وتجنب بطشها والخضوع لمعونة أمريكا ودعمها للجيش واستمرار حياة الرغد والدعة للجيش على حساب الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وهي جميعا سبل بناء مصر القوية التي تخرج عن نطاق التبعية والخضوع لمآرب أمريكا وإسرائيل وشرق أوسطهما الجديد؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكن التفاوض حول هذا الأمر ويمكن للمجلس الأعلى أن يستعين بخبراء وسياسيين يختصون في مواجهة هذه المآزق أمثال الدكتور البرادعي والدكتور زويل وشرفاء مصر الآخرين الكثيرين أمثال الدكتور غنيم وحسام عيسى وعبد الجليل مصطفى وآخرين كثر لا يسع المقال ذكرهم.

هل يريد المجلس العسكري أن يترك شباب مصر العسكري والمدني يقتتل، وهل يريد حرق مؤسساته ومتاحفه ومجامعه العلمية، وهل يريد مشاهد القتل والإصابة تتكرر كل شهر تقريبا من ماسبيرو وما قبلها ومن محمد محمود وما بعدها وحتى شارع مجلس الوزراء حاليا؟ هذا طبعا ما يريده مبارك وكهنته ورجاله والمنتفعون من نظامه في مؤسسات مصر حاليا، وهذا مفهوم لأنه صراع على البقاء بالنسبة لهم، أما بالنسبة للمجلس العسكري فهذا أمر مستغرب بالفعل، وهو أمر يثير الشبهات حول نية المجلس العسكري وغايته.

وفي النهاية، وأمام هذا الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية وعدم تحقيق مطالب الثورة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإننا ننادي باستقالة حكومة الجنزوري (الكرتونية) وننادي القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمين والسلفيين بالتوحد مع مطالب الثورة وعدم الانسياق في تيار باكستان المحتمل، وأيضا ننادي بانسحاب المجلس الاستشاري بكامله فالتعاون مع المجلس العسكري بطريقته الحالية هو دعم للظلم وتشجيع على إجهاض ثورة مصر المستنيرة التي بعثها الله لمصر هدية ونعمة وقد وهب الشباب والشعب كله شهداءه وعيونه ودماءه، وربما ستكون المليونية الينايرية التالية هي مليونية الشيوخ والنساء حتى يشعر المجلس العسكري أن ثورة مصر ليست مظاهرة "شوية عيال".

 

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم