وظائف خالية

اللهم "ارزق" مصر بـ "مُنْصِفٍ" لها وأَبْطل مكر حكامها وإخوانها

كارنيفال 25 يناير، عشانك يا مصر
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
كيف يمكن إنقاذ المجلس العسكري؟ روشتة الخروج المشرف.

اللهم "ارزق" مصر بـ "مُنْصِفٍ" لها وأَبْطل مكر حكامها وإخوانها


بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية



انقشع الضباب وتفرقت الغيوم، وبدت حقيقة اللاعبين على المسرح السياسي في مصر، ولكن للأسف الشديد بدأ تراث الحقبة المباركية أيضا من نوازع الانتهازية والأنانية والفهلوة واللاأخلاقية والشراهة وحب الدنيا ينشط الآن في جسد المجتمع المصري الذي وهنت مناعته بفعل معاناته ومكابدته لفيروسات المرحلة الانتقالية وأخطاء الحكماء العسكريين.

ثلاثون عاما استمر الفرانكشتاين حسني مبارك رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة مع وحوشه المفترسة يمصون دماء مصرنا الحبيبة، وهي تئن أنات حزن على أبنائها الطغاة الكافرين بنعمة الدعة والراحة في حضنها الدفيء إلى أن قامت قلة من أحفاد أحفادها من الشباب الطاهرين بحشد عشرين مليونا في ميادين مصر كلها لتزيح هذه العصابة الطاغية. ولكن للأسف الشديد خُدِعت هذه الملايين فيمن وَعَدَ بشرفه العسكري وتحيته العسكرية بعد أن تحققوا من عدم تحقيق مطالب الثورة وإعادة إحياء النظام المباركي ليكون أكثر شراسة مستخدما في ذلك منذ اللحظة الأولى الإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية واعدا إياهم بجنة السلطة والحكم مقابل استمرار عسكرة الحكم وهيمنة المؤسسة العسكرية. ونجحت المؤامرة، وأصبحنا اليوم في معضلة فاقت عصر مبارك تشابكا وتعقيدا. بين شباب سُرقت طموحاته وآماله، وشهداء ومصابين أهدرت دماؤهم، وشعب فقير جاهل مريض محبط وحانق على كل شيء بعد أن وُعد بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ولم يجد إلا سرابا، ومواطنين مناضلين من أجل رفعة مصر وانطلاقها نحو الحداثة والمدنية، وقوى سياسية انتهازية، وإعلام ندر فيه المثقفون والشرفاء، وخطاب ديني عدواني لا يعرف معنى السماحة الإسلامية ولا يفرق بين الكفر والإلحاد من ناحية والعلم والحرية الإنسانية من ناحية أخرى. وتمكن المجلس العسكري ومستشاروه في سجون طرة وخارجها أن يجعلوا من المجتمع المصري الثائر شيعا متصارعة، وجماعات متفرقة حتى في داخل الإخوان المسلمين أنفسهم، أو في داخل الثوار أنفسهم، أو في داخل الطليعة النخبوية نفسها.

وفي ظل هذه الكآبة الحزينة يطلع علينا من يقول على نفسه "أنا تلميذ غاندي ومانديلا" منصف المرزوقي، ويزيدنا عشقا للحبيبة تونس، "ونمسك الخشب"، التي تمنى الفرد لحظة مشاهدته لهذا الإنسان الراقي أن يكون تونسيا تحت لواء هذه الشخصية التي أبدت عشقها لمصر وتاريخها وثقافتها وأخبرنا أنه بمجرد تشكيل المجلس التأسيسي في مصر سيأتي مهرولا لزيارتها، بل وتمنى هذا الإنسان الجميل أن تكون مصر وليبيا وتونس بعد سنتين أو ثلاث وبعد استقرار ثوراتها بلدا جغرافيا واحدا يتحرك فيه المواطنون الثلاثة بحرية كاملة، يتنقلون ويعيشون ويستقرون ويعملون حيث يشاءون. مشكلة مصر في نظره هي عدم قبول فكرة التعددية وقبول الآخر. مَكًنَ الرقي النسبي لتونس بسبب الصلة بأوروبا وديمقراطياتها وبسبب الطبقة المتوسطة هناك وبسبب المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الأعلى نسبيا من مصر من قبول التعددية ومن إنقاذ تونس مما وقعت فيه مصر.

أكاد أقول لحكامنا وعباد السلطة عندنا: جاءكم مهاتير محمد ونصحكم، ومن بعده جاء أردوغان ونصحكم، ثم هاهنا الآن من بعدهما جاءكم المنصف المرزوقي لينظف عقولكم. ماذا تريدون؟ ظهور المسيخ الدجال؟ أم ظهور نبي جديد؟ ما هذا يا عوا، وما ذلك يا بديع، وماذا تفعل يا أبو إسماعيل، وأين ذهبت يا شحات؟ ناهيك عن مجلسنا العسكري الموقر الذي فعل ما لا يقوى على حسابه غير الله سبحانه وتعالى، فحسبنا الله ونعم الوكيل في ضياع زهور مصر من الشهداء وتعويق المصابين وإيلام الشعب كله الآن وتعطيل بناء الدولة سنة كاملة كان من الممكن أن تكون على عتبة البناء السلمي السعيد لمصر. والجريمة الأكبر هي أنكم يا مجلسنا الموقر قد أوكلتم إدارة شئون البلاد إلى التيار الإسلامي، وبالطبع لن تقبل العقول المستنيرة حجة التزييف الأعظم "هذا اختيار الشعب"، وهي نفس الجريمة التي ارتكبها مبارك عندما أوكل إدارة شئون البلاد إليكم. أشكوكم إلى الله سبحانه وتعالى ونفوض أمرنا إليه جل جلاله.

مع إصرار المجلس العسكري على تحقيق مطامعه، ومع إصرار التيار الإسلامي على تحقيق أجندته، ومع إصرار الثوار والأحرار المصريين على تحقيق مطالب الثورة، يُختصر الموقف إما في المواجهة والصراع وخاصة يوم 25 يناير المقبل، أو في التوافق الفوري السريع حول إزالة آثار الهدم الهائلة حتى الآن ووضع قواعد البناء وتحقيق مطالب الثورة بناءً على إجراءات فورية وخاصة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لا زالت السلطة التنفيذية والتشريعية في حوزته حتى هذا التاريخ المرتقب.

هل يستطيع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يواجه هذا التحدي؟ أقول "مستحيل" لأسباب كثيرة لن أخوض فيها لأنها متأصلة في قدراتهم النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولذلك فإني أرى تجنبا للمواجهة الصراعية أن ينظر المجلس الأعلى في أي من المقترحين التاليين:

1.     الاعتراف بأخطاء المرحلة الانتقالية وإعلان نية التخلي التدريجي عن الهيمنة الاقتصادية والسياسية العسكرية، والتحول إلى جيش حربي مهني يهتم بالتصنيع العسكري بجانب المؤسسات المدنية في ذلك أيضا، والمسارعة في تحقيق بعض من مطالب الثورة في الفترة القصيرة التي يجب أن تستمر حتى يونيو 2012 بشرط إظهار نية الإصلاح والتنمية والاعتذار بالأفعال لا بالأقوال عما حدث في حق مصر في المرحلة الانتقالية. ولتحقيق ذلك فيمكن بعد إعلان النية الثورية من جانب الجيش أن يستعين برجال مصر الثقات وليس المنافقين الذين يهرولون لسيادته عند الاستدعاء من أجل إعادة بناء الثقة والتوافق وتحقيق مطالب الثورة.

2.     المقترح الثاني هو الخروج من هذا الموقف الحرج بعد أن فقد الشعب ثقته في أعضاء المجلس العسكري الحاليين وتشكيل مجلس رئاسي من صغار كبار رجال القوات المسلحة (من رتبة عقيد حتى رتبة لواء حديث) مع مجموعة من الرموز المدنيين الذين لا يختلف عليهم أحد أمثال بعض القضاة والسياسيين وأساتذة الجامعات والأدباء، ويقوم هذا المجلس بإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، ويعود أعضاء المجلس الأعلى الحاليين إلى بيوتهم وثكناتهم سالمين مشكورين. ويضمن هذا الحل القضاء على شبهة التواطؤ بين المجلس العسكري والتيار الإسلامي على تحقيق دولة ترسخ هيمنة العسكر مثل باكستان، وترسخ توجها منحازا لدولة مشحونة بالفتنة الطائفية والثقافة الإقصائية، تلك الثقافة التي حذر منها مهاتير محمد وأردوغان ومنصف المرزوقي، ومدد يا ماليزيا، وحياك الله يا تركيا، وتسلمي يا تونس يا نُوارة العرب، ويكفينا الله شر مدد الدول الصديقة. 

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم