Dedalum Arts Complex ديدالوم مجمع الفنون

مرحبًا بكم في ديدالوم مجمع الفنون

منصة الفن والأخبار الثقافية الرائدة

لماذا لا نريد متحفًا لقراء القرآن الكريم؟!

بقلم: أحمد صلاح الدين طه

31 May 2025

فن الإبراز وسر المعنى: مفهوم العزل في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي والتليفزيوني
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
فتيات الرنجة.. أن تكوني سمكة بين فتيات عملهن تقطيع الأسماك

لماذا لا نريد متحفًا لقراء القرآن الكريم؟!

 

  قد يكون من السهل ومن المتوقع أيضًا أن نهلل لقرار رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بإنشاء متحف لقراء القرآن الكريم، لأسباب عدة منها على سبيل المثال أن المسلماني في نظر كثيرين هو الفارس الذي جاء منقذا لماسبيرو ليعيد إليه رونقه، ويعيده لأحضان الدولة التي وضعته على الرف منذ فترة طويلة كاد خلالها يصبح تحفة مركونة في مخزن متحف عتيق، والآن تعود إليه الحياة بأمر الدولة وبحماس إعلامي ذي صيت وإن لم يكن من أبناء المبنى إلا أنه على دراية كاملة بكل خفايا مطبخه لا سيما أنه عمل لسنوات طويلة في قنوات جل صناعها خلف الكاميرات هم من أبناء ماسبيرو، وعلى ذلك يكون الوقوف في صفه ودعم قراراته واجبًا وأمانة على -وعند- كل مخلص لهذا الكيان العملاق.

  من ناحية أخرى، من منا لا يدرك قيمة الإذاعة المصرية وخاصة إذاعة القرآن الكريم في ضبط المشهد القرائي ليس في مصر فقط بل وفي العالم العربي والإسلامي كله، إن لدى التليفزيون تراثًا مهولا من القراءات بأصوات معظم القراء المصريين الأجلاء، ربما لا نكون مبالغين لو قلنا إن معظم محطات القرآن الكريم الإذاعية والتليفزيونية تعتمد عليهم بشكل كبير حتى مع ظهور مدارس موازية للمدرسة المصرية وصعود قراء فطاحل من دول عربية وإسلامية أخرى، لكن الجميع ما يزال يعترف بفضل مصر وقرائها ومدرستهم وإذاعة القرآن الكريم.

  لكن بنفس هذا الالتزام المهني الذي ذكرناه، ولنفس الوعي بهذا التراث الضخم والمهم، وأيضًا ولاء لبيتنا الكبير (الإذاعة والتليفزيون) نجد أنفسنا إزاء إعلان السيد رئيس الهيئة عن تدشين متحف لقراء القرآن الكريم في موقف حيرة، وربما رفض.. لماذا؟!

  ببساطة لأن تكرار تجربة غير ناجحة لا ينتظر من ورائه نجاحًا، هل لاحظ أحدكم أن بعض متابعي صفحة الهيئة سارعوا بالمطالبة بإنشاء متحف للأجهزة والمعدات التليفزيونية والإذاعية، والوثائق الهامة القديمة التي مايزال جزء منها محفوظًا بشكل أو آخر، وما لم يذكره هؤلاء أن الأخبار طالعتنا قبل أكثر من عشرين سنة بأن هذا المتحف أنشئ بالفعل، وكثيرة هي برامج التليفزيون التي صورت هذا المتحف الذي لم يعد أحد يذكر عنه شيئًا ولا حتى هناك من يعرف مكانه أو زاره في حياته، لا أقول من الجمهور العام بل وحتى من أبناء المبنى الذين نسوه وعادوا للمطالبة بإنشائه مرة أخرى.

  نعم هناك تراث ضخم لقراء القرآن الكريم مرتبط بالإذاعة والتليفزيون، وعلاقة الطرفين ببعضهما (القراء والمبنى) تمثل جزءًا مهمًا من تاريخ مصر، لكن المكان الملائم لهذا التراث العظيم ليس أبدًا على حوائط المتاحف وفاتريناتها الكئيبة، بل الأفضل أن يتم التوجيه بإنشاء مكتبة صوتية تضم هذا التراث وتحوي إلى جانبه الوثائق الهامة التي قد تكون غاية في الأهمية للدارسين والباحثين في التاريخ وعلم القراءات وفنون أخرى.

 هذا ليس كل شيء، لكن أيضًا ليستقيم الأمر لابد من إحداث طفرة في إدارة المبنى، فما فائدة أن تنشئ مكتبة (أو حتى متحفًا) داخل مبنى مغلق ومحكوم بشدة، لن يتمكن الزائر من الوصول إليهما إلا بعد الحصول على تصاريح مفصلة مذيلة بالعديد من التوقيعات والأختام. إن مجرد التفكير في ذلك قد يجعل أي زائر مهما كان شغفه بالموضوع، يحجم عن التفكير، مجرد التفكير، في الزيارة.

  لذلك فلابد من إقرار تسهيلات بالنسبة للزائرين للمبنى بحيث يصبح الدخول إليه يسيرًا كأن يترك الزائر بطاقة هويته ويسجل بياناته وكفى مثل أي مكان آخر يفترض فيه كثرة القاصدين.

  ومن جهة أخرى إن مجرد وضع الوثائق والأشرطة في مكان ما ليس أمرًا مغريًا، خاصة بالنسبة للأجيال الحديثة التي يُفترض أنهم الهدف الأول لمنشأة كتلك، لذلك يجب أن تكون زيارة المكتبة أو المتحف تجربة تفاعلية متكاملة وشيقة تحفز هؤلاء على المجيء وتكرار الزيارة مرات ومرات، يجب إنشاء منظومة متكاملة.

  وختامًا يجب ألا ينظر إلى إنشاء مكتبة (أو متحف) على أنه هدف في حد ذاته، فالتراث صنعه الأولون أما نحن فلابد أن نقدم إضافة إلى هذا التراث، وإن لم تكن الإضافة في المادة نفسها، لكن قد تكون مثلا في الأرشفة أو الترميم أو إعادة الإنتاج عبر الوسائط المختلفة، وتوفير هذه المكتبة أو المتحف للزائر الإلكتروني من خلال شبكة الإنترنت، ويمكن التفكير في إصدارات مترجمة أو تعليمية أو تفاعلية أو عمل أبحاث تتناول هذا التراث ونشرها، وغير ذلك مما يستوجب تفكيرا طويلا وبحثًا عميقًا لإخراج عقد مرصع بجواهر التراث وليس مجرد مخزن لماساتنا ولآلئنا العتيقة.

أحمد صلاح الدين طه

٣١ مايو ٢٠٢٥

dedalum.info@gmail.com

لماذا لا نريد متحفًا لقراء القرآن الكريم؟!
avatar