وظائف خالية

مصر التي هي أمي قصرية عم عباس التي كانت طريقه إلى مملكة الأكسسوار
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
شخص من مارس يحبه الناس

مصر التي هي أمي


 
 

نعم.
  منذ عقود، ومذ نشأ في ذهني ذلك التساؤل؛ شغلني: "يعني أيه كلمة وطن؟". بصوت الفنان محمد فؤاد، الذي - ربما- ليس صوتاً استثنائياً، جباراً، قوياً كأصوات عمالقة الطرب القدماء الذين عكف المتخصصون على دراسة قدرتهم، وجبروتهم الفني. بل هو صوت رقيق، حنون، يكاد يكون حاداً أحياناً، لا يستطيع الطغيان على السامع، لكنه ينفذ إلى قلبه، ويصل وجدانه، وجدان جيل كامل نشأ والسؤال يتردد في مسامعه: يعني أيه كلمة وطن؟!
  جيلٌ ورث حماس هتاف يوسف شاهين في فيلم (وداعاً بونابرت): "مصر هتفضل غالية عليا". ثم اكتسب تساؤل فؤاد المشروع عن معنى الوطن؛ ثم آخر الأمر وصل إلى حسم محمود حميدة، في فيلم (آسف على الإزعاج)، وهو يقول لأحمد حلمي: "أوعى تقول لي مصر هي أمي".



  الاستقرار على إجابة، والرسو على معنى لكلمة وطن، جاءت متأخرة، لكنها جاءت؛ فالوطن لن يكون إلا هناك، بين أحضان هذه السيدة القوية الراقية النقية، التي لا يمكن أن تكون سوى أمي.



  الصورة التقليدية للوطن، زائفة.
  الصورة التي رسمها البعض للوطن في الأغاني والأناشيد، والهتافات، لا يمكن أن تكون معقولة ولا منطقية.



  الوطن الذي يجبرنا أن نقف، ونضرب له تعظيم سلام شيء، ومن وهبتني السلام والسكينة عالمٌ آخر.. وطن حقيقي، عظيم بي وبدوني، لأن من عظمها ربٌ عليمٌ تعالى عن كل شيء، وفرض تبجيلها من فوق السموات، في كل الدنيا.



  أمي التي وهبتني الحياة، والحياء، والدعاء الذي ينفذ سريانه بصوتها الأمن في نفسي، والسرور في سريرتي.. دعاؤها الذي إذ أسمعه أشعر بيد الله تأخذني من حال إلى حال.. تسخر لي الأسباب، وتهديني إذا التمست الطرق، وكدت أرتبك.



  أمي اسمها سناء، وعرفناها دائما باسم سماء؛ فكانت لنا السماء، وسناها، ولم نستحق في حيواتنا ثناء، إلا بفضلها.
  أمي هي الوطن الذي لا يحدنا، وطن لا يحكمنا بجوازات سفر منتهية الصلاحية، بل يفتح أمامنا الآفاق لنتحرر من قيودنا، ونحلق في أرجاء المعمورة. وطنٌ لا يدعونا للموت من أجل أن يحيا، بل يحيا من أجل أن نعيش.

  أمي وطني، التي أسر إلي أبي رحمه الله يوماً عنها؛ فقال: لا تظن أن الأسرة بالأب تبقى؛ بل تدوم بوجود الأم.


  أخبرني أبي رحمه الله حينها أنه غير قلق علينا لو غادر الدنيا، ما دام تركنا وهي تزين دنيانا.
  إذا كان الوطن أرضاً؛ فأمي سماء.
  وإذا كان الوطن حدوداً فأمي الحرية.
  إذا كان الوطن حُكماً؛ فأمي حِكمة.
  إذا كُنتُ لازلت قادراً على الحياة؛ فأمي من وهبتني قوامها، ومقوماتها.
  أنا الآن أكتب، ليس لأنني ابن بار؛ بل لأنني أشعر كم قصرتُ في حقها.
  لا يمكن لكل أحبار الدنيا، وكل تشكيلات الحروف، والكلمات أن تعبر لها عن أسفي؛ لأنني أمامها، إزاء ما وهبتني صغيرٌ.. ضئيلٌ جداً، ولن يأتي يومٌ أكون فيه أكبر منها أو من أبي كما كنا نظن ونحن أطفال.. ستبقى دائماً أكبر، وسأظل أبداً أحبها كوطن حقيقي، وليت حبي لها يشفع لتقصيري عندها.
أحمد صلاح الدين طه
20 مارس 2019




 







 

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم