وظائف خالية

ماذا ستفعل السياسة بالإخوان؟ رئيس توافقي؟ إني أعترض ... وفينك يا برادعي
Total online: 3
Guests: 3
Users: 0
أما أمريكا فنحن كفيلون بها

ماذا ستفعل السياسة بالإخوان؟


بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

كتب المجاهد الصامد، والفيلسوف الصاعد، والمصري الماجد، الأستاذ إبراهيم عيسى مقاله اليومي في الحبيبة "التحرير" بعنوان "ماذا سيفعل الإخوان بالجيش"، متسائلا عما إذا كان الإخوان هم بنفس سطوة "التأسلم" في باكستان وما أدت إليه من أسلمة للقادة والبرامج العسكرية والدراسات العليا العسكرية، وأضيف أنا من عندي "وأدت إلي الخيبة الباكستانية الحالية"، أم لا؟ ويدعو أبو الخليل القارئ إلى حفظ مقاله ذاك في أدراج المكاتب أو ملفات الكمبيوتر ليراجعه بعد سنوات حتى يتعرف على إجابة السؤال.

وارتباطا بسؤال الأستاذ إبراهيم عيسى أثير في هذا المقال تساؤلا مشابها، الإجابة عليه بالتأكيد سوف يكون لها علاقة جازمة بالإجابة على سؤال أبا الخليل. وأرجو الاعتذار عن لغة التأكيد والجزم حيث أن ذلك ليس من خصال الباحثين العلميين، ولكني أترك الاحتمالية للسؤال الحالي لهذا المقال "ماذا ستفعل السياسة بالإخوان؟"

 هل جماعة الإخوان المسلمين جماعة سياسية دعوية (لاحظ  جوهر الموصوف) أم أنها جماعة دعوية سياسية؟ إذا كانت بالتعريف الأول فهي إذن جماعة جوهرها سياسي وتتخذ الدين وسيلة لتحقيق غاية السياسة، وهذا هو ظني الشخصي. وأما إذا كانت بالتعريف الثاني أي دعوية سياسية فهي إذن تتخذ السياسة وسيلة لتحقيق جوهرها وهويتها وهي الدعوة الإسلامية. والفرق بين التعريفين كبير جدا، ذلك لأنه في الحالة الأولى تريد الجماعة أن تمتهن السياسة، أما في الحالة الثانية فهي تمتهن الدعوة مستخدمة السياسة فقط كوسيلة لتعميق الدعوة. والدليل على ذلك أنها بعد ثمانين سنة من المحاولات الفاشلة، بما فيها من سجون وحظر وعناء، تمكنت أخيرا بالتحالف مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (مجهض الثورة وحامي حمى النظام البائد) من أن تعتلي كراسي السلطة التشريعية تمهيدا لغزو السلطتين الأخريين وتحقيق حلمها الفاشي الإقصائي وهو تحقيق دولة الخلافة ثم أستاذية العالم.

إذن يبقى السؤال دائما، ماذا يريد الإسلاميون؟ هل يريدون الخلافة وأستاذية العالم حقا؟ هل يريدون شرع الله؟ هل يريدون أن ينتقموا ممن قهروهم من قبل ويصفوا حساباتهم معهم؟ قلت من قبل أن الخلافة وأستاذية العالم هذه أمور فاشية نازية استبدادية، لا تضر إلا بالمسلمين المسالمين، لم يرد ذكرها في آية أو في حديث، وإلا فلماذا لا يرددها السلفيون؟ وإذا كانوا يريدون أن ينتقموا ممن قهروهم من قبل فقد تحالفوا معهم من أجل كراسي الحكم. إذن فماذا يريدون؟ يبدو أن السياسة قد جذبتهم كما يجذب الضوء الفراش فيفقده الرؤية، وإلا فلو كانوا على قلب رجل إسلامي واحد لما تعددت أحزابهم بين الحرية والعدالة وأحد عشر حزبا دينيا آخر، ولكنها شهوة السياسة. هذا بالرغم من أن هذه الأحزاب الدينية ليس لها شرعية دستورية بنص المادة 4 من الإعلان الدستوري. إذن، أنا أتوقع أن هذا الطوفان المتوجه نحو ممارسة السياسة من جانب التيارات الدينية سوف يُفقد هذه التيارات كثيرا من زخمها الديني المتطرف، ومن ثم فإن أتوقع إما أن تُلغى هذه الأحزاب جميعها في المستقبل على أنها غير دستورية أو أن ينتهي التطرف الديني في مصر نظرا لحتمية انسياق هذه التيارات وخضوعها لقواعد السياسة ومدنية تكتيكاتها وإغراءاتها الدنيوية المتمثلة في النفوذ والشهرة والمنفعة المادية الأنانية وأساليبها المكيافيلية المتمثلة في الانتخابات والانقلابات والتعيينات والتزييف الانتخابي والقهر ودعاوى القدسية الدينية.

ويبدو لي أيضا أن هناك دوافع لاعتلاء السلطة من جانب التيارات الدينية تتمثل في وهم أصحابها بأنهم رسل الله في الأرض، وجهلهم بحقيقة حرية التدين وحرية الدين وسماحته، وخوفهم من القهر والمجهول، وطمعهم في السلطة، وحسدهم لمن بيدهم السلطة ولديهم نعيم الدنيا. ولذلك فهم يجهلون بوهمهم وجهلهم وخوفهم وطمعهم وحسدهم أن ثورة 25 يناير المستنيرة إنما هي الضمان الحقيقي بمطالبها من العيش والحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية لإنهاء التطرف الديني والاستبداد الكهنوتي، ومن هنا يأتي إهمالهم لتلك الثورة والاندفاع نحو مهالك أضواء السياسة ونيرانها.

هذا ولا أتوقع أن يشذ الإخوان عن قانون الذي ابتكره عالم الاجتماع الألماني روبرت ميشيلز الذي يُعبر عن الميل الحتمي الموروث في الجماعات والأحزاب السياسية بل وكل التنظيمات أو المنظمات المعقدة والاتحادات العمالية كذلك لكي تُكون شلة من القيادات التي تهتم ببقاء المنظمة والحفاظ على مصالحهم والانتشاء بشرف القيادة ووجاهتها ومزاياها ومكاسبها وافتقادهم للتركيز على الأهداف الأصلية للمنظمة. هذا ويتمتع هؤلاء القادة بالهيمنة والقوة والخبرة في إدارة المنظمة والسيطرة على وسائل الاتصال والإعلام فيها كما يحتكرون الموقع العام المُمَثل للمنظمة. ويشير ميشيلز كذلك إلى أن هذه الهيمنة وذلك الاحتكار إنما يتصاعدان بسبب سيكولوجية الجماهير التي تعتمد على الحاجة إلى التبعية القيادية، أي حاجة الناس سيكولوجيا لمن يقودهم.

النتيجة النهائية هي الإهمال المتصاعد للأهداف الأساسية لتلك الأحزاب الدينية سواء كانت إنشاء الدولة الدينية أو دولة الخلافة أو أستاذية العالم أو تنفيذ شرع الله كما يرون في حدها الأدنى وعلى المدى القصير. المهنة، كما أقول لطلابي، هي مخرطة الشخصية، فالقهوجي له شخصية قهوجية، والشيخ له شخصيته، والميكانيكي له شخصيته، والقاضي له شخصيته ... إلى آخره. والسياسي بصفة خاصة له شخصية مميزة أطرف ما قيل عن خصائص السياسيين ما قاله البروفيسور "جيرهارد فولك" وهي القدرة على حصاد ما يحصده الآخرون لأنفسهم، يستندون على مقاعدهم بيد ويلتهمون حصاد الآخرين باليد الأخرى، يرون الدنيا وكأنها ملكا لهم، لا يحبون لقاء الرعية خشية أن يسألوهم عما يفعلون طيلة النهار وعما فعلوا بأموال ضرائبهم، يطلقون على أنفسهم "المحترمون"، يحبون البذخ والمظهرية، يتوقعون التبجيل من الآخرين، لا يعرفون شيئا عن أحوال الرعية مثل سعر دستة البيض، ولا يعرفون إلا أصوات الرعية، ولا يتعاطفون من آلام الرعية ومعاناتها، وهم يتواجدون في القضاء والاقتصاد والجامعة بل وحتى بين الحاصلين على جائزة نوبل. هؤلاء السياسيون لا يتعظون بالعظام أمثال جورج واشنجتن الذي ألقى خطابا بعد حلف اليمين في 4 مارس 1793 مكونا من 134 كلمة فقط ثم عاد لمنزله وحيدا بلا استعراض، ولا كلمات، ولا احتفالات، ولا استعراض لخيلاء العظمة.

الخلاصة: مرحبا بشيوخ التيار الإسلامي ورموزه في دار السياسة. ونصيحتي لهم أن يعودوا إلى الدعوة ويحسنوا القراءة قبل الانخراط فيها، وإلا فقد آن الأوان أن تفعل بهم السياسة ما فعلته في المحترم مصطفى بكري.

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم