طوال سنوات عملي في مجال الأخبار التليفزيونية، و بعد عملي لصالح العديد من القنوات والوكالات الإخبارية؛ لم يبقَ في نفسي احترامٌ و تقديرٌ و محبةٌ سوى لقليلين جداً من المراسلين الذين عملت معهم تحصيهم أصابعُ يدٍ واحدة.
ذلك ينطبق أيضاً على القنوات التليفزيونية العديدة التي عملت لصالحها وأورثتني -أستطيع أن أقول- حنقاً تجاه هذا المجال الذي كنت أحبه.
أسباب موقفي هذا لا مجال لذكرها هنا، لكنها تختصر في إنعدام الأمانة المهنية وتراجع الالتزام الأخلاقي تجاه المجتمع الذي يُفترض أن أصحاب هذه المهنة حصلوا على مكانتهم فيه لأنهم يخدمونه لا يساهمون في تضليله وتشويه أفكاره.
لهذه الأسباب نفسها كان امتناني تجاه تجربة عملي القصيرة للقسم الفارسي بهيئة الإذاعة البريطانية ومع شخص رائع هو حسيب عمار الذي تولى تغطية الأحداث في مصر خلال فترة عصيبة، أشهد أنه حاول خلالها أن يكون أميناً قدر الاستطاعة.
عندما التقيته للمرة الأولى أحسست راحةً تجاه ملامحه الطيبة التي تشبه في كثير ملامح السواد الأعظم من المصريين وإلمامه الواسع بدقائق الحياة المصرية على خلاف المتوقع من صحفي أجنبي، أيضاً ابتسامته التي لا تخطئ عينٌ اكتشاف خبث طفولي محبب خلفها، انطباعٌ مبدئي جعلني أستبشر خيرا بتجربة العمل معه والأيام أثبتت حسن ظني؛ يكفي أنني لم ينتَبْني طوال فترة عملي هذه الإحساس الملح بالتقصير المهني والأخلاقي تجاه المجتمع لأنني رأيته حريصاً على الصدق في تغطية الأحداث ينزل إلى الشارع يسأل الناس عن كل صغيرة و كبيرة، يعرِّض نفسه لمخاطر كان بإمكانه أن يجنب نفسه ويلاتها لو أنه فقط فعل ما يفعله الآخرون؛ فكم من أحداثٍ جسام شاركت في تغطيتها ووجدت المراسلين يغطونها من شرفات الفنادق.. يرتشفون شايهم المُنَعْنَع بينما يتسولون المعلومات من مواقع وأفراد رسميين أو غير رسميين، منحازين أو غير موثوقين وفي النهاية يخْرجون من فوَّهات القنوات التليفزيونية يعلنون أنهم كانوا في موقع الأحداث ويصفق لهم الجميع، وربما منحهم رؤساؤهم -أيضاً- بعضَ المكافآت والترقيات، نعم، سيتساوى الجميع أمام الناس لكن أمام ضمائرهم يظلون صغيرين جدا، هم وحدهم يدركون حجمهم الحقيقي.
حسيب عمار هذا المراسل الدؤوب المخلص، وهذا الإنسان الودود الطيب أثبت لي جدارته بإحترامي، وكان له وللبي بي سي الفضل في استعادتي الثقة في مجال عملي في الأخبار التليفزيونية بعد أن كدت أوقن أن لا فائدة فيه أو منه ترجى، الآن أصبحت أدرك لماذا استطاعت البي بي سي أن تحافظ على مكانتها في عقول المشاهدين والمستمعين طوال هذه العقود الممتدة، ذلك لأنهم يحسنون اختيار من يعملون معهم، ذلك لأنهم يوظفون أشخاصا مثل حسيب عمار الذي رأيت بعد مغادرته القاهرة إلى لندن أن علي شكره؛ فمهما طال الأمد حتى ألتقيه مرة أخرى سأظل أذكر تجربة عملي هذه نقطة مضيئة في حياتي المهنية.
أحمد صلاح الدين طه
dedalum.info@gmail.com
21 سبتمبر 2013