هل المصورون مسؤولون عن سقوط هيبة الموت؟
بقلم: أحمد صلاح الدين طه
10 Nov 2018
مصائب صوت القاهرة عند التليفزيون فوائد
Total online: 1 Guests: 1 Users: 0
اللي ما يعرفش يقول ميّ
هل المصورون مسؤولون عن سقوط هيبة الموت؟

سؤال ملح، و أخلاقي، و الإجابة عنه حاجة مجتمعية، لا مهنية فقط.. لا تخصنا نحن بل الجميع: إلى أي حد كان المصورون في الجنازات و سرادقات العزاء مسؤولين عن ما يلم بها من فوضى و ضياع لهيبة الموت، و عار على ذكرى المتوفى، و اعتداء على جلال الموقف و حزن محبيه؟
سؤال ربما لدي إجابة عنه، إجابة تختصر في لفظ المؤسسة. إجابة ذكرتها لأحد مسؤولي الأمن في مؤتمر سياسي رفيع، عندما وجه لنا كمصورين إخباريين اتهاماً بأننا صنعنا فوضى لا مبرر لها؛ فقلت له ببساطة: "من صنع الفوضى الآن هو مَن لم يضع نظاماً سابقاً.. لا يمكن أن نكون - نحن - صانعي الفوضى؛ لأن لا أحد منا هو واضع النظام.. لو وضعتم نظاماً معقولاً لسرنا عليه".
النظام، هو ما نحترمه، و سنرحب بالسير في ركابه؛ لأننا أول المستفيدين من ذلك.
النظام هو ما يجعلنا نؤدي أعمالنا بسهولة، و يسر.
النظام هو ما يجنبنا التدافع، و التشاحن.. يجنبنا أن نسخط، أو يُسخط علينا.
النظام هو الحلة التي نرتديها، فتدفع عنا كل الشرور، تقينا برد الشطط، و تحفظ لأجسادنا دفء الكرامة.
النظام، هو باختصار الجودة التي نرحب بها في أعمالنا و من أجل إنجازها.
النظام شيءٌ رائع يا عزيزي، لكن قبل كل شيء يجب أن يكون موجوداً. ليس في سرادقات العزاء فقط، لكن في كل مكان يُدعى إليه المصورون للتغطية، فليس معقولاً أن تتم دعوة وسائل الإعلام المختلفة للتغطية، ثم بمجرد الدخول إلى مكان الحدث نفاجأ بالمنظمين، أو من يفترض كونهم منظمين و قد ظهرت عليهم الصدمة، و كأنهم أرسلوا الدعوات، و لم يتصوروا أن أحداً سيعبرهم. لو تصوروا من البداية كيف يجب أن يُنظم الدخول و التغطية و وضعوا تعليمات و توجيهات للتغطية ضمن دعواتهم، لصار لزاماً على المدعوين الالتزام بها، و يصبح ممكنا مساءلة من لا يلتزم. أما أن تترك الأمر برمته للظروف، و الحظ، ثم تتعجب من أن المصورين لم يلتزموا بقواعد لم توضع أصلاً هذه مشكلتك.
بالمناسبة، لهذه الحالة وجه آخر، فهناك قواعد أخلاقية، ليست بحاجة إلى كتيب تعليمات، و هناك منطق يجب أن يراعى، و هو أمر بديهي. ليس مقبولاً و لا معقولاً أن تسعى لتكريم راحل ما باستيقاف المعزين لسؤالهم عن رحلته الفنية، أو إنجازاته العلمية، أو أهميته المجتمعية و السياسية؛ هذه أمور يمكن تناولها في لقاءات داخل استوديو، أو الإسهاب في ذكرها من خلال تقارير تليفزيونية أو صحفية.. الأمر لا يحتاج أصلاً من الوسائل الإعلامية لحضور أو نقل لحظات المتوفى الأخيرة فوق سطح الأرض.. الإصرار على ذلك معناه الوحيد أن الوسيلة الإعلامية تستهدف مزيدا من اللغط، و الحوارات الفجة، و حديث المصاطب و مجالس الحريم، من نوعية من أتى العزاء، و من لم يأت و فضل الذهاب إلى عمله، و من ذهبت دون مكياج، و من تمكيجت بشكل مبالغ فيه و ماذا ارتدت هذه، و تلك، و من كان مصمم أزياء حفل العزاء هذا.. أليس هذا ملخص العناوين، بعد كل عزاء لأحد المشاهير، هل يعد ذلك تأبيناً للراحل أم تأليباً و تأجيجاً للضغائن بين الأحياء من أقربائه و معارفه، أو محبيه؟
و السؤال على من تقع مسؤولية إرسال المصورين لحدث كهذا، غير المؤسسة الإعلامية، التي لم تراع، و لا وضعت كتيب قواعد لمنسوبيها، أو المستقلين المتعاملين معها بنظام العمل الحر أو القطعة؟
هذه المؤسسات الكبرى كان عليها وضع نظامها، الذي يجب أن تحاسَب عليه قبل أن تحاسِب أو يحاسب المجتمع المصورين و الصحفيين العاملين لصالحها. و قبل النظام، كان عليها انتقاء المنتظمين، فبينما يدهشك كم المتخصصين الذين أصبحوا مستظلين بسقوف بيوت أهلهم لسنوات، دون الحصول على فرصة للعمل في المجال الإعلامي، تفاجأ أيضا بكم غير المتخصصين الذين أصبحوا يحملون كاميرات و يعيثون في السرادقات، ضلالا على غير هدى من علم و ثقافة تقيهم السقوط، و تقي المجتمع تبعة نزقهم.
أحمد صلاح الدين طه
