وظائف خالية

بوستر مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. تغيير مفاهيم من السعودية تتغير إلى صورة السعودية تتغير

للتليفزيون المصري.. حل بدون حل
Total online: 1
Guests: 1
Users: 0
أوهام قوة مصر الناعمة

بوستر مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. تغيير مفاهيم من السعودية تتغير إلى صورة السعودية تتغير


  انتشرت منذ فترة أحاديث متنوعة عن السعودية والطفرات التي تبدو للكثيرين منبتة عن المعهود لديهم، راح الكثيرون في جدل واسع حول وجوب التغيير، من جهة، وجدواه من جانب آخر، البعض استحسن، والبعض استهجن، ولكل أسبابه.. هنا جاء -من وجهة نظري- الملصق الدعائي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في دورته الأولى، ليحسم بلطف هذا العراك الثقافي، ويعلن بيسر، وسهولة متناهية: إن التغيير حدث، وهو أمر طبيعي، ما يتغير الآن هو الصورة الذهنية عن السعودية، لا السعودية نفسها.
  
  السعودية نفسها تغيرت منذ زمن بعيد، الكل يعرف أن الطفرات الاقتصادية الهائلة التي أعقبت حرب أكتوبر، وأسعار البترول التي تضاعفت بشكل مذهل في السبعينيات، وبعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي رفضها حينها أغلب العرب ظاهراً، واستفاد منها الجميع، في هذه الفترة تسارعت وتيرة التغيير، ما بقي ثابتاً هو الصورة المعلبة القديمة عن مجتمع صحراوي لا يتغير، ولا يتفاعل مع العالم، حتى إن بعض المثقفين العرب لازالوا يعتقدون أن السعودية تصدر إلى العالم ما يسمونه ثقافة الصحراء دون أن يلاحظوا أن الصحراء تغيرت، وثقافتها اختلفت تماماً حتى لو ظلت في الوجدان كمكون ثقافي عند الأجيال الحديثة، إلا أنها عند شاب عشريني ليست كما كانت لدى سبعيني عاشها وعايشها.. السبعيني الذي عاش طفولته يبحث عن منابع الماء ويستجدي المطر ليس كفتى يشتري الماء المعلب من السوبرماركت، الحياة اختلفت، والثقافة أصبحت ذات زخم، ولازالت الصورة في مخيلة الكثيرين تعود إلى تاريخ قديم، ربما كان ذلك سبب الدهشة التي تصيب الكثيرين مما يتصورونه تغييراً مفاجئاً.. هنا يجيء ملصق المهرجان، بل والمهرجان نفسه معلناً أن السعوديين مثل كل الشعوب الأخرى يعيشون بشكل عادي، يمارسون فنونهم ويستقبلون فنوناً عالمية أخرى، لديهم فنانون، وبحر، وحوريات تخرج من البحر لترقص البالية.

  ثلاثة عناصر أساسية في ملصق المهرجان أعتقد أنها تجدر مناقشتها، ويجب ألا تمر مروراً عابراً:
   أولاً، في إشارة واضحة لعروبة المهرجان وأنه سيشكل إضافة هامة للشرق العربي جميعه وربما لصورة العربي عامة في العالم، اشترك ثلاثة فنانين من جنسيات عربية مختلفة لإنتاج الملصق، المصمم العماني محمد الكندي، والمصور السوري أسامة أسعيد والذي يبدو من كثير من أعماله أنه مر بمصر أيضاً مروراً ليس عابراً كما أنه يعيش بالسعودية أيضاً، مما يعني أنه في حد ذاته مجمعٌ للثقافات العربية، وأخيراً راقصة البالية السعودية أو كما يسميها الخبر المنشور، المأخوذ عن المهرجان (عارضة البالية السعودية) سميرة الخميس، والتي في اعتقادي هي ثاني أهم عنصر في رسالة الملصق.

  لا أعرف لماذا وسمتها الأخبار بأنها (عارضة بالية)، ذلك الوصف الذي لم نعتده لوصف راقصات البالية، ربما كان شبيها باستخدام البعض يوما وصف: "لاعبات البالية" للحديث عن الباليرينات في مصر منعاً لاستهجان المجتمع لهذا النوع من الفن الوافد، وخوفاً من إلحاقه بالرقص الشرقي الذي دأب على المكوث في خانة (سيء السمعة) خاصة في ظل ما يحيط به وبممارسته عادة من أنشطة ينكرها المجتمع، لا داع للإسهاب في ذكرها هنا.

  ربما أيضاً كانت فكرة الحديث عنها كعارضة، لا راقصة بسبب عملها كعارضة (موديل) لأنواع من الأزياء ومنتجات التجميل، وما إليها، أو ربما كان اتقاء مقارنتها بمثيلاتها في العالم، أو حتى في الدول العربية الأخرى الذين شاركوا في عروض عالمية، وكان لهم اسمهم وثقلهم (رغم رشاقتهم، وخفتهم) في عالم تمثيل الإيقاع: الرقص، والاستعراض. 

  سميرة الخميس، الشابة السعودية التي ظهرت في ملصق المهرجان، ومن قبل في دعايات أخرى للمهرجان، مع شباب وشابات أخر يسيرون في شوارع جدة القديمة بثياب وهيئة وربما قيمٍ أوروبية؛ أثير حولها جدل واسع فقط لأنها كانت صدمة لدى الكثيرين ممن يتخيلون السعودية باقية بصورتها القديمة، فقط عندما أعلن المهرجان في أخباره أنها (عارضة باليه) سعودية، تخابط المؤيدون والرافضون.. راقصة سعودية.. تبدو المسألة مباغتة للكثيرين، كيف كانت، ومتى ظهرت، هل تتغير السعودية هكذا بسرعة؟ وهل سيؤدي هذا الاندفاع المحموم نحو التغيير إلى عواقب وخيمة؟
 

 
  الإجابة جاءت من الواقع نفسه، هذه الثقافة المغايرة ليست وليدة اللحظة، بل هي متغلغلة في المجتمع، ليست مجرد نزق مراهقين، ولا مراهقة فكرية.. الشابة السعودية التي رأى المهرجان أن تتصدر لافتاته بدأت تمارس رقص البالية وهي بعد في الرابعة من عمرها، ويبدو أنها أنشأت مدرسة لتعليم الرقص في قلب الرياض، العاصمة السعودية وهي بعد في التاسعة عشر من عمرها، يعني نحن لا نتحدث عن وافدٍ ثقافي عابر، لقد قبلت وقبلها المجتمع منذ سنين عديدة، ولاقت ليس فقط استحساناً بل تشجيعاً على عملها في تدريس الرقص، وعرض الأزياء والظهور في الإعلانات.. استضافتها برامج تليفزيونية وتحدثت بانطلاق وحرية، ولم يستهجن أحد ذلك، أي أننا أمام تغيير ضخم أصبح أمراً واقعاً، لا قبوله أو رفضه سيحول دون استمراره، فقط ما كان على الصورة الذهنية لدى الآخرين إلا أن تتغير.. هو تغير في الوعي، وليس تغييراً للمجتمع أو ثقافته كما اعتقد الآخرون دائماً.
 

 
 
  العنصر الثالث الملفت في إنتاج ملصق المهرجان هو استخدام طريقة شديدة القدم لإنتاج الصور، طريقة الكلوديون الرطب؛ وهي بالمناسبة ليست طريقة (لإحياء صور الأبيض والأسود عن طريق تلوينها بألوان زاهية نابضة) كما ورد في أخبار المهرجان، لكنها طريقة قديمة لإنتاج الصور الضوئية -الأبيض وأسود- باستخدام مادة الكلوديون مضاف إليها محلول للمادة الحساسة للضوء، ويتم دهان الألواح الزجاجية المستخدمة حينها في التصوير الضوئي بها، ولأنها كانت لابد أن تستخدم مباشرة، وهي بعد رطبة؛ سميت الطريقة بطريقة الكلوديون الرطب.

  استمر استخدام هذه الطريقة في إنتاج الصور زمناً لا بأس به، كان خلاله المصور يحمل معمله في خيمة، أو يجوب الدروب بعربة ضخمة تحوي كل مستلزماته لإنتاج صورة، وبعد فترة قضى التطور على هذه الطريقة، خاصة مع ظهور دعامات السليلوز بديلاً لألواح الزجاج، الطفرة التي آذنت فيما بعد بظهور شريط الصور المتحركة، السينما كما عرفها العالم فيما بعد.. لكن رغم مرور السنين، لازال الحنين ربما يأخذ الكثيرين في العالم الغربي لإحياء هذه الطريقة، وإنتاج صور بها، كثيراً ما يقوم أشخاص أو مؤسسات ثقافية بعمل مشاريع ضخمة، مثل رحلات للتصوير بألواح الكولوديون الرطبة، أو إعادة تصوير لقطات لأشخاص في نفس الأماكن التي صورت فيها صور قديمة جداً شهيرة أو غير ذلك، ربما لأجداد نفس الأشخاص، كنا نحن أيضاً ونحن طلبة نصنع كاميراتنا الأولى من الورق المقوى، ونصور بها أول مشاريعنا كنوع من الدراسة.

  اختيار استخدام هذه الطريقة لإنتاج ملصق المهرجان، لم يعلن بشكل واضح عن سببه، لكن يمكننا التخمين، غالباً كانوا يريدون ترسيخ فكرة القديم، يريدون الإعلان بشكل واضح أنهم ليسوا ضد التراث، حتى لو كان تراثاً عالمياً.. لا يخص المنطقة العربية بشكل عام، والسعودية (موطن المهرجان) تحديداً.. لكن لماذا لم ينتجوا هذا العمل باستخدام الوسائل الرقمية (التقليدية بالنسبة لشباب اليوم)، أعتقد أن الاختيار هنا كان للفنان المصور أسامة أسعيد، فبالاطلاع على أعماله وجدته شغوفاً بهذا النمط من التصوير القديم، وتلوين صوره فيما بعد بألوان تأخذ طابع القدم وتوقع النفس في عشق مباغت، يعتريها ويسكن الروح في نوع من تمثيل القديم حتى لو كان نسبياً حاضراً حياً.

  باختصار، بوستر المهرجان، حاول بث الرسالة الأولى.. جلية لا لبس فيها.. هم لا يسعون لتغيير السعودية، إنهم فقط يقدمون صورتها لمن غفلوا عنها.. هم فقط يغيرون نظرة العالم التقليدية تجاه بلدهم.

 
أحمد صلاح الدين طه
15 فبراير 2020 
dedalum.info@gmail.com

avatar

الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]
 

لنشر مقالك هنا.. اضغط اللنك 


إذا لم تكن عضواً في ديدالوم سجل الآن، اضغط هناااا

 
    أضف خبرًا فنيًا         أكتب مقالا على ديدالوم